فبما رحمة من الله لنت لهم وما أشبه ذلك. فزعم أن ما في ذلك زائدة، وأن معنى الكلام: فبرحمة من الله لنت لهم وأنشد في ذلك محتجا لقوله ذلك ببيت مهلهل:
لو بأبانين جاء يخطبها * خضب ما أنف خاطب بدم ورغم أنه يعني: خضب أنف خاطب بدم، وأن ما زائدة.
وأنكر آخرون ما قاله قائل هذا القول في ما في الآية، وفي البيت الذي أنشده، وقالوا: إنما ذلك من المتكلم على ابتداء الكلام بالخبر عن عموم جميع الأشياء، إذ كانت ما كلمة تجمع كل الأشياء ثم تخص وتعم ما عمته بما تذكره بعدها. وهذا القول عندنا أولى بالصواب لان زيادة ما لا تفيد من الكلام معنى في الكلام غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه. ولعل قائلا أن يقول: هل كان للذين أخبر الله عنهم أنهم قليلا ما يؤمنون من الايمان قليل أو كثير فيقال فيهم فقليلا ما يؤمنون؟ قيل: إن معنى الايمان هو التصديق، وقد كانت اليهود التي أخبر الله عنها هذا الخبر تصدق بوحدانية الله وبالبعث والثواب والعقاب، وتكفر بمحمد (ص) ونبوته، وكل ذلك كان فرضا عليهم الايمان به لأنه في كتبهم، ومما جاءهم به موسى فصدقوا ببعض هو ذلك القليل من إيمانهم، وكذبوا ببعض فذلك هو الكثير الذي أخبر الله عنهم أنهم يكفرون به.
وقد قال بعضهم: إنهم كانوا غير مؤمنين بشئ، وإنما قيل: فقليلا ما يؤمنون وهم بالجميع كافرون، كما تقول العرب: قلما رأيت مثل هذا قط، وقد روي عنها سماعا