بذلك، كما خصت عصا موسى في معناها، فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها. ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا، لسهل عليه ما استصعب من القول وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددا منهم في دينهم، ثم أضاف إليهم من الامر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم، فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضا ويتعبدهم بعبادة، ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به حتى يسألوا بيان ذلك لهم.
فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه، ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه، فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض. فتعوذ بالله من الحيرة، ونسأله التوفيق والهداية.
وأما قوله: إن البقر تشابه علينا فإن البقر جماع بقرة. وقد قرأ بعضهم: إن الباقر، وذلك وإن كان في الكلام جائزا لمجيئه في كلام العرب وأشعارها، كما قال ميمون بن قيس:
وما ذنبه أن عافت الماء باقر * وما إن تعاف الماء إلا ليضربا وكما قال أمية:
ويسوقون باقر الطود للسهل * مهازيل خشية أن تبورا فغير جائزة القراءة به لمخالفته القراءة الجائية مجئ الحجة بنقل من لا يجوز عليه فيما نقلوه مجمعين عليه الخطأ والسهو والكذب.
وأما تأويل: تشابه علينا فإنه يعني به: التبس علينا. والقراء مختلفة في تلاوته، فبعضهم كانوا يتلونه: تشابه علينا، بتخفيف الشين ونصب الهاء على مثال تفاعل، ويذكر الفعل وإن كان البقر جماعا، لان من شأن العرب تذكير كل فعل جمع كانت وحدانه بالهاء وجمعه بطرح الهاء، وتأنيثه كما قال الله تعالى في نظيره في التذكير: كأنهم أعجاز نخل منقعر فذكر المنقعر وهو من صفة النخل لتذكير لفظ النخل، وقال في موضع