" ألم والمر " و " المص " وما أشبه ذلك من حروف المعجم التي هي فواتح أوائل السور، كل حرف منها دال على معان شتى، شامل جميعها من أسماء الله عز وجل وصفاته ما قاله المفسرون من الأقوال التي ذكرناها عنهم، وهن مع ذلك فواتح السور كما قاله من قال ذلك. وليس كون ذلك من حروف أسماء الله جل ثناؤه وصفاته بمانعها أن تكون للسور فواتح، لان الله جل ثناؤه قد افتتح كثيرا من سور القرآن بالحمد لنفسه والثناء عليها، وكثيرا منها بتمجيدها وتعظيمها، فغير مستحيل أن يبتدئ بعض ذلك بالقسم بها. فالتي ابتدئ أوائلها بحروف المعجم أحد معاني أوائلها أنهن فواتح ما افتتح بهن من سور القرآن، وهن مما أقسم بهن، لان أحد معانيهن أنهن من حروف أسماء الله تعالى ذكره وصفاته على ما قدمنا البيان عنها، ولا شك في صحة معنى القسم بالله وأسمائه وصفاته، وهن من حروف حساب الجمل، وهن للسور التي افتتحت بهن شعار وأسماء. فذلك يحوي معاني جميع ما وصفنا مما بينا من وجوهه، لان الله جل ثناؤه لو أراد بذلك أو بشئ منه الدلالة على معنى واحد مما يحتمله (1) ذلك دون سائر المعاني غيره، لأبان ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إبانة غير مشكلة، إذ كان جل ثناؤه إنما أنزل كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم ليبين لهم ما اختلفوا فيه. وفي تركه صلى الله عليه وسلم إبانة ذلك أنه مراد به من وجوه تأويله البعض دون البعض أوضح الدليل على أنه مراد به جميع وجوهه التي هو لها محتمل، إذ لم يكن مستحيلا في العقل وجه منها أن يكون من تأويله ومعناه كما كان غير مستحيل اجتماع المعاني الكثيرة للكلمة الواحدة باللفظ الواحد في كلام واحد.
ومن أبى ما قلناه في ذلك سئل الفرق بين ذلك وبين سائر الحروف التي تأتي بلفظ واحد مع اشتمالها على المعاني الكثيرة المختلفة كالأم والدين وما أشبه ذلك من الأسماء والأفعال. فلن يقول في أحد ذلك قولا إلا ألزم في الاخر مثله. وكذلك يسأل كل من تأول شيئا من ذلك على وجه دون الأوجه الاخر التي وصفنا عن البرهان يسأل كل من تأول شيئا من ذلك على وجه دون الأوجه الاخر التي وصفنا عن البرهان على دعواه من الوجه الذي يجب التسليم له ثم يعارض بقوله يخالفه في ذلك، ويسأل الفرق بينه وبينه: من أصل، أو مما يدل عليه أصل، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الاخر مثله. وأما الذي زعم من النحويين أن ذلك نظير " بل " في قول المنشد شعرا: بل...
ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا (2)