علينا أمره. ويزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) (1).
فقالوا: قد صرح هذا الخبر بصحة ما قلنا في ذلك من التأويل وفساد ما قاله مخالفونا فيه.
والصواب من القول عندي في تأويل مفاتح السور التي هي حروف المعجم: أن الله جل ثناؤه جعلها حروفا مقطعة ولم يصل بعضها ببعض فيجعلها كسائر الكلام المتصل الحروف، لأنه عن ذكره أراد بلفظه الدلالة بكل حرف منه على معان كثيرة لا على معنى واحد، كما قال الربيع بين أنس، وإن كان الربيع قد اقتصر به على معان ثلاثة دون ما زاد عليها. والصواب في تأويل ذلك عندي أن كل حرف منه يحوي ما قاله الربيع وما قاله سائر المفسرين غيره فيه، سوى ما ذكرت من القول عمن ذكرت عنه من أهل العربية أنه كان يوجه تأويل ذلك إلى أنه حروف هجاء استغني بذكر ما ذكر منه في مفاتح السور عن ذكر تتمة الثمانية والعشرين حرفا من حروف المعجم بتأويل: أن هذه الحروف، ذلك الكتاب، مجموعة لا ريب فيه، فإنه قول خطأ فاسد لخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين (2) من أهل التفسير والتأويل، فكفى دلالة على خطئه شهادة الحجة شهادة الحجة عليه بالخطأ مع إبطال قائل ذلك قوله الذي حكيناه عنه، إذ صار إلى البيان عن رفع ذلك الكتاب بقوله مرة إنه مرفوع كل واحد منهما بصاحبه ومرة أخرى أنه مرفوع بالراجع من ذكره في قوله: (لا ريب فيه) ومرة بقوله: (هدى للمتقين) وذلك ترك منه لقوله إن (ألم) رافعة (ذلك الكتاب) وخروج من القول الذي ادعاه في تأويل (ألم ذلك الكتاب) وأن تأويل ذلك: هذه الحروف ذلك الكتاب.
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون حرف واحد شاملا الدلالة على معان كثيرة مختلفة؟ قيل: كما جاز أن تكون كلمة واحدة تشتمل على معان كثيرة مختلفة كقولهم للجماعة من الناس: أمة، وللحين من الزمان: أمة، وللرجل المتعبد المطيع لله: أمة، وللدين والملة: أمة: وكقولهم للجزاء والقصاص: دين، وللسلطان والطاعة: دين، وللتذلل: دين، وللحساب: دين، في أشباه لذلك كثيرة يطول الكتاب بإحصائها، مما يكون من الكلام بلفظ واحد، وهو مشتمل على معان كثيرة. وكذلك قول الله جل ثناؤه: