إنها جحد صحيح، وأن معنى البيت: سوى في بئر لا تحير عليه خيرا، ولا يتبين له فيها أثر عمل، وهو لا يشعر بذلك ولا يدري به. من قولهم: طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا، أي لم يتبين لها أثر عمل. ويقول في سائر الأبيات الاخر، أعني مثل بيت أبي النجم:
فما ألوم البيض أن لا تسخرا إنما جاز أن تكون " لا " بمعنى الحذف، لأن الجحد قد تقدمها في أول الكلام، فكان الكلام الاخر مواصلا للأول، كما قال الشاعر (1):
ما كان يرضى رسول الله فعلهم * والطيبان أبو بكر ولا عمر (2) فجاز ذلك، إذ كان قد تقدم الجحد في أول الكلام.
قال أبو جعفر: وهذا القول الاخر أولى بالصواب من الأول، إذ كان غير موجود في كلام العرب ابتداء الكلام من غير جحد تقدمه ب " لا " التي معناها الحذف، ولا جائز العطف بها على " سوى "، ولا على حرف الاستثناء. وإنما ل " غير " في كلام العرب معان ثلاثة:
أحدها الاستثناء، والاخر الجحد، والثالث سوى، فإذا ثبت خطأ " لا " أن يكون بمعنى الالغاء مبتدأ وفسد أن يكون عطفا على " غير " التي مع " المغضوب عليهم " لو كانت بمعنى " إلا " التي هي استثناء، ولم يجز أيضا أن يكون عطفا عليها لو كانت بمعنى " سوى "، وكانت " لا " موجودة عطفا بالواو التي هي عاطفة لها على ما قبلها، صح وثبت أن لا وجه ل " غير " التي مع " المغضوب عليهم " يجوز توجيهها إليه على صحة إلا بمعنى الجحد والنفي، وأن لا وجه لقوله: " ولا الضالين "، إلا العطف على " غير المغضوب عليهم ". فتأويل الكلام إذا إذ كان صحيحا ما قلنا بالذي عليه استشهدنا: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم لا المغضوب عليهم ولا الضالين.
فإن قال لنا قائل: ومن هؤلاء الضالون الذين أمرنا الله بالاستعاذة بالله أن يسلك بنا سبيلهم، أو نضل ضلالهم؟ قيل: هم الذين وصفهم الله في تنزيله، فقال: (يا أهل الكتاب