فما ألوم البيض أن لا تسخرا * لما رأين الشمط القفندرا (1) وهو يريد: فما ألوم البيض أن تسخر. وبقول الأحوص:
ويلحينني في اللهو أن لا أحبه * وللهو داع دائب غير غافل (2) يريد: ويلحينني في اللهو أن أحبه. وبقوله تعالى: (ما منعك أن لا تسجد) (3) يريد أن تسجد. وحكي عن قائل هذه المقالة أنه كان يتأول " غير " التي " مع المغضوب عليهم " أنها بمعنى " سوى "، فكأن معنى الكلام كان عنده: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الذين هم سوى المغضوب عليهم ولا الضالين.
وكان بعض نحويي الكوفة يستنكر ذلك من قوله، ويزعم أن " غير " التي " مع المغضوب عليهم " لو كانت بمعنى " سوى " لكان خطأ أن يعطف عليها ب " لا "، إذ كانت " لا " لا يعطف بها إلا على جحد قد تقدمها، كما كان خطأ قول القائل: عندي سوى أخيك، ولا أبيك، لان " سوى " ليست من حروف النفي والجحود، كان معلوما أن الذي زعمه القائل أن " غير من المغضوب " عليهم بمعنى: " سوى المغضوب عليهم " خطأ، إذ كان قد كر عليه الكلام ب " لا " وكان يزعم أن " غير " هنالك إنما هي بمعنى الجحد، إذ كان صحيحا في كلام العرب وفاشيا ظاهرا في منطقها توجيه " غير " إلى معنى النفي ومستعملا فيهم: أخوك غير محسن ولا مجمل، يراد بذلك أخوك لا محسن، ولا مجمل، ويستنكر أن تأتي " لا " بمعنى الحذف في الكلام مبتدأ ولما يتقدمها جحد، ويقول: لو جاز مجيئها بمعنى الحذف مبتدأ قبل دلالة تدل على ذلك من جحد سابق، لصح قول قائل قال: أردت أن لا أكرم أخاك، بمعنى: أردت أن أكرم أخاك. وكان يقول: ففي شهادة أهل المعرفة بلسان العرب على تخطئه قائل ذلك دلالة واضحة على أن " لا " لا تأتي مبتدأة بمعنى الحذف، ولما يتقدمها جحد. وكان يتأول في " لا " التي في بيت العجاج الذي ذكرنا أن البصري استشهد به بقوله