ولا تسأل إنزال القرآن قبل أن يأتيك وحيه، لأنه تعالى إنما ينزله حسب المصلحة ووقت الحاجة (1).
أما الزمخشري فقد أورد احتمالا آخر في معنى الآية (2)، وجعله في مجمع البيان أول الوجوه في تفسير الآية، ونسبه إلى ابن عباس، وهو: أن المعنى لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبرئيل من إبلاغه، ولا تقرأ معه مخافة النسيان كقوله تعالى:
* (ولا تحرك به لسانك لتعجل به) * (3) و * (سنقرئك فلا تنسى) * (4).
وروى السيوطي عن ابن أبي حاتم عن السدي قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا نزل عليه جبرئيل بالقرآن أتعب نفسه في حفظه حتى يشق على نفسه، فيخاف أن يصعد جبرئيل ولم يحفظه، فأنزل الله " ولا تعجل بالقرآن... " الآية (5).
وهذا المعنى والذي قبله محتمل في معنى الآية جدا، فقول المستدل آنفا - بأن الرسول لو لم يعرف القرآن لا تكون للعجلة معنى - لعله سهو من قلمه الشريف، فإن النبي لو فرض أنه غير عارف بالقرآن لصح أن يقال: لا تعجل بإنزال القرآن ولا تستبطئه، بل تصبر حتى ينزله الله تعالى في الوقت المناسب. وكذا يصح أن يقال: لا تبادر إلى قراءة القرآن عند تلقيه من جبرئيل واسكت، حتى إذا فرغ منه فاقرأه. قال في مجمع البيان: قيل فكان النبي (صلى الله عليه وآله) من بعد هذا إذا نزل جبرئيل أطرق، فإذا ذهب قرأ (6).
ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى في آية أخرى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * (7) فهذه الآية تفسر المراد من النهي عن العجلة بالقرآن، ويشهد لذلك قوله سبحانه في الآية التي بعدها * (إن علينا جمعه وقرآنه) * يعني يا أيها النبي، لا تعجل