أحدهما: ما كان جبرئيل واسطة فيه بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين الله تعالى.
والآخر: ما كان بلا واسطة شئ أصلا.
فمن هذه الأخبار ما رواه في البحار عن المحاسن بسند صحيح عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتاه الوحي من الله وبينهما جبرئيل يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل، وإذا أتاه الوحي وليس بينهما جبرئيل تصيبه تلك السبتة ويغشاه لثقل الوحي عليه من الله عز اسمه (1).
ولكن هذا الحديث لا يكفي لإثبات ما يراد إثباته هنا، وذلك لأنه في صدد بيان أن الوحي كان على نحوين: أحدهما بواسطة جبرئيل، والآخر بدونه. وليس في صدد بيان أن الوحي القرآني من أي من هذين النحوين هو أو من كليهما، ولا دلالة له على شئ من ذلك. وحينئذ فيحتمل أن يكون الوحي القرآني مما توسط به جبرئيل. وأما ما لم يتوسط فيه جبرئيل فهو الوحي الذي جاءه (صلى الله عليه وآله) في الموضوعات أو في غير القرآن المجيد، مما يعبر عنه ب " الأحاديث القدسية ".
وهذا الاحتمال بعد أن عضده الدليل وأيدته الشواهد يكون هو المتعين، ويخرج عن كونه احتمالا إلى كونه من الأمور المعتبرة والثابتة.
ولابد لنا أخيرا من الإشارة إلى أنه قد روي في البحار بعد هذا الحديث مباشرة حديث آخر يرتبط فيما نحن فيه، وهو:
عن العياشي عن عيسى بن عبد الله عن جده عن علي (عليه السلام) قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضا، وإنما كان يؤخذ من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بآخره، فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة، نسخت ما قبلها، ولم ينسخها شئ، فلقد نزلت عليه وهو على بغلته الشهباء، وثقل عليها الوحي، حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض، وأغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وضع يده على ذؤابة منبه بن وهب الجمحي، ثم رفع ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقرأ علينا سورة المائدة، فعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعملنا.