توقيف الشارع فالمسألة محل تأمل ويمكن الاستناد في الطهارة إلى العمومات الدالة على طهارة المياه بالتقريب الذي أشرنا إليه مرارا وينبغي التنبيه على أمور (أشياء) الأول مورد الحديث وكلام كثير من الأصحاب كما هو استحالة عين النجاسة وعمم بعضهم الحكم بحيث يتناول المتنجس أيضا تعويلا على أن ثبوت ذلك في أعيان النجاسات يقتضى ثبوته في المتنجس بها أيضا بطريق أولي وللتأمل فيه مجال والحكم بأحد الطرفين لا يخلو عن اشكال الثاني ذكر جمع من الأصحاب ان الدخان المستحيل من الأعيان النجسة طاهر أيضا كالرماد ولم اقف على نص وربما ينظر إلى أن تغير الحقيقة فيه أقوى من الرماد فيثبت فيه الحكم لمفهوم الموافقة وفيه تأمل ويعزى إلى بعضهم نقل الاجماع عليه وتردد في طهارته المحقق في الشرائع ولم يذكره في المعتبر وينسب إلى الشيخ في المبسوط القول بنجاسة دخان الدهن النجس معللا بأنه لابد من تصاعد بعض اجزائه قبل إحالة النار لها بواسطة السخونة وفي التعليل نظر وقال المصنف في النهاية بعد الحكم بطهارة الدخان مطلقا للاستحالة كالرماد انه لو استصحب شيئا من اجزاء النجاسة باعتبار الحرارة المقتضية للصعود فهو نجس ولهذا نهى عن الاستصباح بالدهن النجس تحت الظلال لعدم انفكاك ما يستحيل في الدخان عن استصحاب اجزاء دهنية اكتسب حرارة أو حيث ملاقاة الظل وفيه تأمل الثالث الحق بعضهم بالرماد الفحم محتجا بزوال الصورة والاسم وتوقف فيه الشارح الفاضل والتوقف في محله الرابع اختلف الأصحاب في طهارة الطين النجس إذا احالته النار خزفا أو آجرا فذهب الشيخ في الخلاف والمصنف في النهاية وموضع من المنتهى والشهيد في البيان إلى طهارته واختاره صاحب المعالم وتوقف المحقق في المعتبر والمصنف في موضع اخر من المنتهى وحكم جماعة منهم الشارح الفاضل بعدم الطهارة حجة القول بالطهارة وجوه الأول اجماع الفرقة نقله الشيخ في الخلاف الثاني صحيحة الحسن بن محبوب السابقة الثالث أصالة الطهارة بناء على أن مدرك الحكم بالتنجيس في مثله بعد ذهاب العين انما هو الاجماع ولا ريب في انتفائه بعد الطبخ وفيه نظر لمنع ثبوت الاجماع ولعدم شمول الرواية لموضع النزاع وضعف التمسك بأصالة الطهارة على ما أشرنا إليه مرارا حجة القول بالنجاسة انه لم يخرج بالطبخ عن مسمى الأرض كما لم يخرج الحجر عن مسماها مع كونه أقوى تصلبا منه واستوائها في العلة المقتضية لذلك وهي عمل الحرارة في ارض أصابها رطوبة وفيه نظر لأن عدم الخروج عن اسم الأرض لا يوجب الحكم بالنجاسة فإنه تابع للدليل الدال عليها وهو مقصور على حالة مخصوصة فلا يتعدى إلى غيرها على أن ادعاء عدم الخروج عن الاسم محل تأمل ولعل منشأ الحكم بذلك ملاحظة ما ذكر من اشتراكهما في علة الصلابة و كونها في الحجر أقوى لكن العرف يحكم بفساد ذلك ويصدق اسم الأرض على الحجر دون الخزف وقد تنبه لذلك المحقق في المعتبر فقال في بحث التيمم ان الخزف خرج بالطبخ عن اسم الأرض فلا يصح التيمم به ثم ذكر جوازه بالحجر محتجا بأنه ارض اجماعا الخامس إذا استحالت الأعيان النجسة ترابا أو دودا فالمشهور بين الأصحاب الطهارة وهو قول الشيخ في موضع من المبسوط ويعزى إليه في المبسوط قول اخر بالنجاسة في صورة الاستحالة بالتراب وتردد المحقق في ذلك وتوقف المصنف في التذكرة والتحرير والقواعد في صورة الاستحالة ترابا وجزم بالطهارة في صورة الاستحالة دودا و لعل الأول أقرب للعمومات الدالة على طهورية التراب السالمة عن المعارض السادس قال في المعتبر لو كانت النجاسة رطبة ومازجت التراب فقد نجس فلو استحالت النجاسة بعد ذلك وامتزجت ببقية الأجزاء الترابية على النجاسة والمستحيلة أيضا لاشتباهها بها وهو حسن السابع إذا عجن العجين بالماء النجس ثم خبز لم يطهر على المشهور بين الأصحاب وقال الشيخ في الاستبصار وفي موضع من النهاية انه يطهر حجة الأول ان المفروض كون الماء نجسا والنار لا تخرج عن العجين المخبوز جميع الماء وانما تجفف بعض رطوبته فيفتقر الحكم بطهارة باقي الرطوبة إلى الدليل وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا وما أحسبه الا حفص بن البختري قال قيل لأبي عبد الله عليه السلام في العجين يعجن من الماء النجس كيف يعجن به قال يباع ممن يستحل اكل الميتة وفي الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال يدفن ولا يباع وفيه نظر إما الأول فلان الاستصحاب عندي تابع للدليل الدال على الحكم وهو إما الاجماع أو الخبر والأول غير مقتض للاستصحاب في محل النزاع واما الثاني فمقتضاه النهي عن استعمال الماء النجس في الطهارة والشرب ولا يخفى عدم جريان ذلك في محل البحث وبهذا يندفع ما يقال من أن العجين ينجس بالماء النجس والنار لم تحله بل جففته فأزالت بعض رطوبته وذلك لا يكفي في التطهير وذلك لان نجاسة العجين مسلم لكن استصحاب النجاسة في محل النزاع ممنوع لفقد الدليل عليه واما الثاني فلكون الروايتين معارضتين بما سيجيئ احتج الشيخ في الاستبصار بما رواه في الصحيح عن ابن أبي عمير عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال لا باس اكلت لنار ما فيه وبما رواه عن عبد الله بن الزبير قال سألت أبا عبد الله عن البئر تقع فيها الفارة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبز قال إذا اصابته النار فلا باس باكله وأجيب عنهما أولا بالطعن في السند إما الأولى فبالارسال وفيه تأمل واما الثانية فبان من جملة زوالها أحمد بن الحسن الميثمي وقال النجاشي انه كان واقفيا وأحمد بن محمد بن عبد الله بن الزبير وجده وهما مجهولان وثانيا لعدم صراحة الروايتين في نجاسة الماء الذي عجن به إما الأولى فلاحتمال كون الماء الذي وقعت فيه الميتة كرا واحتمال كون الميتة مما لا نفس لها واما الثانية فلعدم ظهور المقتضى للنجاسة فيما سوى تعليق نفي الباس عن اكله بإصابة النار ومن الجائز ان يكون منشأ الباس مع عدم إصابة النار كراهة ما ماتت فيه الفارة ونحوها من الماء والمسألة محل تردد لأنه وقع التعارض بين الاخبار فيجوز ترجيح خبر في النجاسة وارتكاب التأويل في خلافهما لاعتضادهما بالشهرة ويجوز العكس لاعتضاد ما دل على الطهارة بالأصل وبما دل على حمل ما لم يثبت النهي فيه وقرب الجمع بحمل خلافه على استحباب التنزه أو يقال يتعين الدفن والبيع عند عدم الخبر لا مطلقا فلا تعارض بين الاخبار ولعل احتمال الطهارة أقرب واعلم أن المصنف وقف في العمل بمدلول الرواية المتضمنة لبيع العجين النجس ممن يستحل الميتة ثم قال ويمكن ان يحل البيع على غير أهل الذمة وان لم يكن ذلك بيعا في الحقيقة واعترض عليه بان العجين النجس عين مملوكة يمكن الانتفاع بها نفعا محللا في علف الحيوان وغيره فلا مانع من جواز بيعه من المسلم مع الاعلام بحاله كالدهن النجس وكذا من مستحله من أهل الذمة وغيرهم لعدم ثبوت كون ذلك مأثما حتى يتعلق به النهي في قوله تعالى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ولما رواه الشيخ بسندين أحدهما صحيح والاخر حسن عن الحلبي قال سمعت يقول إذا اختلط الذكي بالميتة باعه ممن يستحل الميتة واكل ثمنه الثامن اختلف الأصحاب في طهارة الخنزير إذا وقع في المملحة واستحال ملحا والعذرة إذا وقعت في البئر فصار حماء فذهب المحقق في المعتبر والمصنف في عدة من كتبه إلى عدم حصول الطهارة بذلك وتوقف في التذكرة والقواعد وذهب جماعة منهم الفخر المدققين والشهيدان والشيخ علي إلى الطهارة وهو أقرب للعمومات الدالة على حل ما عدا شيئا مخصوصة ومن جملتها الملح المذكور والحل يستلزم الطهارة مضافا إلى أن الحكم بالنجاسة منوط باسم مخصوص فلا يبقى عند زواله لغة وعرفا كما فيما نحن فيه احتج الفاضلان بان النجاسة قائمة بالاجزاء لا بأوصاف الأجزاء فلا تزول بتغير أوصاف محلها وتلك الأجزاء باقية فتكون النجاسة باقية والجواب ان النجاسة قائمة بالاجزاء بشرط الوصف لا مطلقا واعلم أن فخر المدققين خرج بقاء النجاسة تارة على أن النجاسة ذاتية لهذه الأعيان واخرى على أن الباقي مستغن عن المؤثر وزوالها على احتياجه وفيه ضعف والحق ان تخرج المسائل الفقهية على أمثال هذه القواعد قوى الوهن وينبغي ان نفرض المسألة فيما إذا كان ماء المملحة كرا نظرا إلى أن الأرض تنجس عند القلة وكذلك الماء ويلزم من ذلك نجاسة ما يلاقيهما من الملح واستحاله الماء ملحا غير مؤثر في تطهير الملح المتنجس به التاسع من باب الاستحالة المطهرة استحالة النطفة حيوانا ظاهرا والماء النجس بولا لحيوان مأكول اللحم والغذاء النجس روثا أو لبنا لمأكول اللحم والدم النجس قيحا أو جزء من حيوان لا نفس له والظاهر أنه لا خلاف في شئ من ذلك ومنه استحالة الخل خمرا ولو بعلاج وقد نقل المصنف اتفاق علماء الاسلام عليه إذا كانت استحالته من قبل نفسه والاخبار في هذا الباب كثيرة كموثقة عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعله خلا قال لا باس وموثقة عبيد بن زرارة أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الرجل باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا فقال إذا تحول عن اسم الخمر فلا باس به ويمكن الحاق الروايتين بالصحاح لما أشرنا إليه من أن وجود ابن بكير في الطريق غير قادح وحسنة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الخمر العتيق
(١٧٢)