بينهم يحتج بما ليس بحجة عندك؟ وكيف تثبت الأحكام الشرعية بما ليس بدليل؟
فإن قال ما قاله بعيد هذا الموضع. ننكر من القياس ما خالف النصوص، وقياسنا هذا يعضده النص الوارد في القرآن، والأخبار تدل على صحته واستمراره على أصله.
قيل له: هذا مخالف لما يقوله أصحابك المتقدمون والمتأخرون، لأن القياس عندهم باطل لا يجوز اعتماده فيما وافق النصوص وفيما خالفها، ولا هو حجة في شئ من الأحكام على وجه وعلى سبب.
وإذا كانت النصوص تدل على الحكم، أي حاجة بنا إلى استعمال القياس في ذلك الحكم، وقد عرفناه من طريق النصوص، فوجود القياس هاهنا كعدمه، وإنا إذا كنا نستغني بالنص الوارد في الحكم عن نص الآخر، وإن كان الثاني حجة دالا على الحكم.
على أن القياس الذي استعملته ليس كذلك، استعماله باطل غير صحيح في نفسه، لأن الأصل الذي قست عليه - وهو الصلوات - يجوز اختلاف العبادة فيها على المكلفين بالزيادة والنقصان.
ألا ترى أن من دخل في صلاة الظهر لا يعلم أنه يبقى حتى يصلي الركعات الأربع، وأنه يجوز عليه الاخترام قبل التمام، وإنما يعلم أنه مكلف بالأربع إذا فرغ منها وجاوزها.
وقد يجوز أن يبقي الله سبحانه بعض المكلفين صحيحا سليما إلى أن يصلي الأربع، وقد يجوز أن يقبضه وقد فرغ من واحدة أو اثنتين أو ثلاث، فيعلم أن الذي دخل في تكليفه ما نقص الفراغ منه، وما اقتطع دونه من الركعات فليس بداخل في تكليفه، فقد اختلف الفرض كما ترى، وصار فرض بعض المكلفين