بمعرفة الله ومعرفة من يجب العلم به لا يكون إلا كفرا.
وقد بينا في كتابنا الموسوم ب (الذخيرة) كيف الطريق إلى كفر من ضيع المعارف كلها، وسلكنا فيها غير الطرق التي سلكها المعتزلة.
فإذا ثبت كفر من ضيع المعارف، فلا شبهة في أنه فاسق، لأن كل كفر فسق وإن لم يكن كل فسق كفرا.
فأما العمل بالعبادات الشرعية، فليس يجوز أن يكلفها إلا من يصح منه أن يأتي بها على الوجه الذي وجب عليه.
وقد علمنا أن من قلد فاعتقد الحق تقليدا من غير نظر يفضي به إلى المعرفة، قد فرط فيما وجب عليه من المعرفة، وعري من العلم لتفريطه فيه، فهو ملزم معاقب على تضييعه وتفريطه، وهو مخاطب بهذه العبادات في ابتداء الوقت الذي لو نظر وعرف ما يلزمه من المعارف، كان فيه عالما بوجوب هذه العبادات عليه وصح منه أداؤها على الوجه الذي وجبت.
فأما مثل هذا الوقت الذي 1.... فإنه لا يجوز أن يلزمه فيه عبادة شرعية، لأنها لا يصح منه قبل المعرفة بوجوبها إلا لمعرفته 2.
والقول في مهلة النظر مثل هذا بعينه، لأن الزمان الذي لا يجوز أن يقع المعارف إلا بعد تقضيه، ولا يمكن أن يتقدم عليه هو المسمى مهلة النظر، وهذا زمان لا يمكن قبل انقضائه أن يعرف وجوب شئ من العبادات، فكيف يلزمه أن يفعل ما لا يصح أن يعلم وجوبه عليه.
فأما من أهمل النظر وفرط فيه حتى انقضى الزمان المضروب لمهلة النظر، فإن العبادات تلزمه، لأنه لو شاء أن ينظر في الزمان المضروب لمهلة النظر لنظر .