وقال: (يريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) 1.
وقال: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء) 2. وما أشبه ما ذكرنا أكثر من أن نأتي عليه في هذا الموضع.
فإن قال: فما معنى قوله: (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله).
قيل له: إن الله ذكر هذا المعنى في موضعين، وقد بينهما ودل عليهما بأوضح دليل وأشفى برهان على أنها مشيئته في الطاعة، فقال: (لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين) 3 فهو عز وجل شاء الاستقامة ولم يشأ الاعوجاج ولا الفكر، وقال في موضع آخر (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا. وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) 4 فالله قد شاء اتخاذ السبيل ولم يشأ العباد ذلك إلا وقد شاء الله لهم، فأما الصد عن السبيل وصرف العباد عن الطاعة فلم يشأ عز وجل.
ويقال لهم: أليس المريد لشتمه غير حكيم؟ فمن قولهم: نعم. قيل لهم: أو ليس المخبر بالكذب كاذبا؟ فمن قولهم: نعم. قيل لهم: وقد زعمتم أن الله يريد شتمه ويكون حكيما فلا بد من الاقرار بذلك أو يتركوا قولهم.
ويقال لهم: فما أنكرتم أن يخبر بالكذب ولا يكون كاذبا؟ فإن منعوا من ذلك قيل لهم: ولا يجب أن يكون حكيما بإرادة السفه وإرادة شتم نفسه، ولا يجدون إلى الفصل سبيلا. فإن أجازوا على الله أن يخبر بالكذب لم يأمنوا بعد إخباره عن البعث والنشور والجنة والنار أنها كلها كذب ويكون بذلك صادقا، ولا يجدون من الخروج عن هذا الكلام سبيلا.
.