الأشياء كلها ثم خلق الخلق من غير فقر ولا حاجة، ولا ضعف ولا استعانة، من غير أن يلحقه لحدوث ذلك تغير، أو يمسه لغوب، أو ينتقل به إلى مكان، أو يزول به عن مكان، إذ كان جل شأنه لم يزل موجودا قبل كل مكان، ثم حدثت الأماكن وهو على ما كان فليس يحويه مكان، وقد استوى على العرش بالاستيلاء والملك والقدرة والسلطان وهو مع ذلك بكل مكان إله عالم، مدبر، قاهر، سبحانه وتعالى عما وصفه به الجاهلون، من الصفات التي لا تجوز إلا على الأجسام من الصعود والهبوط ومن القيام والقعود، ومن تصويرهم له جسدا، واعتقادهم إياه مشبها [للعباد] 1 يدركونه بأبصارهم، ويرونه بعيونهم، ثم يصفونه بالنواجذ والأضراس، والأصابع، والأطراف، وأنه 2 في صورة شاب أمرد وشعره جعد قطط، وأنه لا يعلم الأشياء بنفسه، ولا يقدر عليها بذاته، ولا يوصف بالقدرة على أن يتكلم ولا يكلم أحدا من عباده، فتعالى الله عما قالوا، وسبحانه عما وصفوا، بل هو إلا له الواحد الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، العليم القدير، الذي كلم موسى تكليما، وأنزل القرآن تنزيلا، وجعله ذكرا محدثا من أحسن الحديث، وقرآنا عربيا من أحسن 3 الكلام، وكتابا عزيزا من أفضل الكتب، أنزل بعضه قبل بعض، وأحدث بعضه بعد بعض، وأنزل التوراة والإنجيل من قبل، وكل ذلك محدث كائن بعد أن لم يكن، والله قدير قبله لم يزل، وهو رب القرآن وصانعه وفاعله ومدبره، ورب كل كتاب أنزله، وفاعل كل كلام كلم به أحدا من عباده، والقرآن كلام الله ووحيه، وتنزيله الذي أحدثه لرسوله وجعله هدى .
(١٨٨)