قدس الله روحه يزيد على طول مكة شرفها الله تعالى بثلث درج فقبلتها منحرفة يسيرا عن نقطة الجنوب إلى المغرب لا محالة والموصل يساوي طولها طول مكة فقبلتها نقطة الجنوب لاتحاد دايرة نصف نهارهما واما البصرة فيزيد طولها على طول مكة بسبع درجات ففي قبلتها زيادة انحراف إلى المغرب عن قبلة بغداد فجعلوا علامتها وضع الجدي على الخد الأيمن واعلم أن شيخنا في البيان قيد العلامة الثالثة لأهل العراق أعني جعل المغرب والمشرق على اليمين واليسار بالمشرق والمغرب الاعتداليين وتبعه على ذلك صاحب التنقيح وشيخنا المحقق الشيخ علي أعلى الله قدره حتى أنه قيد عبارة العلامة في القواعد بذلك ووافقهم شيخنا الشهيد الثاني في هذا التقييد والباعث لهم على ذلك انهم رأوا مشارق الشمس ومغاربها مختلفة جدا باختلاف الفصول إذ البعد بين نهايتي كل منهما يقرب من ثمانية وأربعين درجة ضعف الميل الكلي وذلك يقتضي جواز انحراف أهل الموصل مثلا عن نقطة الجنوب في جانبي المشرق والمغرب بهذا المقدار وهو يستلزم اختلافا فاحشا في جهة واحدة فلذلك قيدوا المشرق والمغرب بالاعتداليين ليزول هذا الاختلاف و تنضبط الجهة ولم يرتض والدي قدس الله روحه هذا التقييد وذهب إلى أنه مخل قال طاب ثراه في شرحه على الرسالة اطلاق القوم المشرق والمغرب لا قصور فيه وتقييد هؤلاء المشايخ نور الله مراقدهم غير محتاج إليه بل هو مقلل للفائدة وما ظنوه من أن الاطلاق مقتضي للاختلاف الفاحش في الجهة ليس كذلك لان مراد القدماء ان العراقي يجعله مغرب اي يوم اتفق على يمينه ومشرق ذلك اليوم بعينه على يساره وهذا لا يقتضي شيئا من الاختلاف الذي زعموه وهو عام النفع في كل الأوقات لكل المكلفين بخلاف القيد الذي ذكروه فإنه يقتضي ان لا يكون العلامة المذكورة موضوعة الا لآحاد الناس القادرين على استخراج خط الاعتدال ومع ذلك فليس أضبط مما ذكر؟؟ تدقيق تام لان استخراجه بالدائرة الهندية ونحوها تقريبي لابتنائه على موازاة مدارات الشمس للمعدل وهذا التقريب قريب مما ذكرناه كما لا يخفى فأي داع إلى تقييد عبارات المتقدمين بما تقل معه الفائدة ويعسر على أكثر المكلفين ضبطه انتهى كلامه أعلى الله مقامه وهو كلام جيد متين فهذه نبذة من العلامات الدائرة على السنة الفقهاء رضوان الله عليهم وأكثرها مستنبط مما دلت عليه قواعد علم الهيئة فان المدار في تعيين سمت القبلة في البلاد البعيدة على ما يقتضيه قواعد ذلك العلم فان قلت جواز التعويل في القبلة على قواعد علم الهيئة مشكل جدا لابتنائها على كروية الأرض وما ذكروه في اثبات كرويتها لا يثمر ظنا بذلك فضلا عن القطع مع أن الفقهاء وسائر أهل الشرع لا يوافقونهم على كرويتها بل ينكرونها والآيات الكريمة أعني قوله تعالى الذي جعل لكم الأرض فراشا وقوله جل وعلا ألم نجعل الأرض مهادا وقوله عز شأنه وإلى الأرض كيف سطحت تدل على عدم كرويتها بل ينبغي القطع بعدم جواز التعويل على كلام علماء الهيئة في باب القبلة وغيرها لان شيئا من كلامهم لا يفيدنا علما ولا ظنا إذ لا وثوق لنا باسلامهم فضلا عن عدالتهم فكيف يحصل لنا علم أو ظن بصحة ما يلقونه إلينا من قواعدهم وكيف يجوز لنا التعويل على كلامهم قبل ثبوت مضمونه لدينا شرعا قلت اما ما ذكرت من ابتناء بعض قواعدهم على كروية الأرض فحق واما قولك ان ما ذكروه في اثبات كرويتها لا يثمر ظنا فخلاف الواقع إذ إفادة الدليل؟؟ المفصلة في محالها الظن بكروية الأرض مما لا
(١٩٣)