عنه ونقل الشيخ على ذلك اجماع الفرقة وقد ورد به اخبار غير نقية السند كما رواه أبو الوليد الجعفي قال سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس جميعا والمستفاد من كلام المتأخرين ان أصحاب هذا القول يجعلون نفس الحرم قبلة لكل من خرج عنه سواء كان قريبا منه أو بعيدا عنه ولا يقولون إن قبلة البعيد جهة الحرم كما يقوله المتأخرون في جهة الكعبة ولذلك أوردوا عليهم لزوم الحكم ببطلان صلاة بعض الصف الطويل الزائد طوله عن طول الحرم وقد حاول شيخنا في الذكرى التوفيق بين الرأيين بان ذكر المسجد و الحرم لعله إشارة إلى الجهة فيرتفع الخلاف هذا كلامه ولا بأس به وقوله عليه السلام في الحديث الأول في جواب سؤال زرارة عن حد القبلة ما بين المشرق والمغرب قبلة كله لعل المراد بيان السمت الذي تصح الصلاة إليه في الجهة وتبطل بالخروج عنه فان قول زرارة أين حد القبلة سؤال عن نهاية ذلك السمت فان حد الشئ منتهاه فاجابه عليه السلام بما يدل على أنه ينتهي من الجانبين بالمشرق والمغرب والظاهر أن الغرض بيان ما ينتهي إليه سمت قبلة أهل العراق فان عامة ما روى عنهم عليهم السلام في هذا الباب انما هو في بيان قبلتهم كما نص عليه الأصحاب وقد يستدل بهذا الحديث على أن من ظهر له بعد الصلاة الانحراف عن القبلة فان كانت صلاته إلى ما بين المشرق والمغرب صحت ولا تجب عليه الإعادة لا في الوقت ولا في خارجه وستسمع الكلام في ذلك في الفصل الثاني انشاء الله تعالى وقوله عليه السلام في الحديث الثاني يجزى التحري ابدا يراد به التفحص وبذل الجهد في تحصيل ما يترجح كونه جهة القبلة ويستفاد من الحديث الثالث ان إدارة الوجه وحده عن القبلة مبطل للصلاة كما حكاه شيخنا في الذكرى عن بعض مشايخه المعاصرين له والمشهور عدم البطلان بمجرد ذلك وفي بعض الروايات المعتبرة دلالة عليه وستسمع الكلام فيه فيما بعد انشاء الله تعالى والفعل في قوله عليه السلام في الحديث الرابع وتعمد القبلة جهدك مضارع معطوف على تجتهد واحدى التاءين محذوفة وربما جعل فعل امر وقد تضمن هذا الحديث وجوب الاجتهاد في تحصيل جهة القبلة على كل من لم يكن عالما بها وقد اختلف كلام المتأخرين في تعريف الجهة التي يجب على البعيد تحصيلها واستقبالها مع اتفاقهم على أنها هي التي إذا عمل المكلف بما يقتضيه الامارات كان مستقبلا لها لكن لما كان هذا القدر غير كاف في شرح حقيقة الجهة أرادوا ان يذكروا ما يكشف عن ماهيتها ويبين حقيقتها في الجملة فعرفها العلامة طاب ثراه في المنتهى بالسمت الذي فيه الكعبة وربما فسر السمت هنا بامتداد معترض في جانب من جوانب الأفق والمراد بكون الكعبة فيه مرورها بها قطعا أو ظنا وعرفها شيخنا قدس الله روحه في الذكرى بالسمت الذي يظن كون الكعبة فيه وظني انه لو لم يقيد بالظن وأطلق كما فعل العلامة ليشمل القطع والظن معا لكان أولى وعرفها شيخنا المحقق الشيخ علي أعلى الله قدره في شرح القواعد بالمقدار الذي شأن البعيد ان يجوز على كل بعض منه ان يكون هو الكعبة بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعه واعترض رحمه الله على تعريف الذكرى بان ظن كون الكعبة فيه غير شرط وحمل السمت على ما يسامته المصلي ويحاذيه عند توجهه إليه وهو كما ترى وعرفها شيخنا الشهيد الثاني نور الله مرقده في شرح الشرائع بالقدر الذي يجوز على كل جزء منه كون الكعبة فيه ويقطع بعدم خروجها عنه لامارة يجوز التعويل عليها شرعا قال رحمه الله واحترز بالقيد الأخير عن فاقد
(١٩١)