مجال للريب فيه وان كان كل من تلك الاثبات؟ بانفراده غير ناهض بذلك لكن يحصل من مجموعها ظن غالب لا يمتري فيه من له أدنى حدس نعم الدليل اللمي المذكور في الطبيعي غير ناهض بذلك لابتنائه على أن الواحد لا يصدر عنه الا واحد فلا تعويل عليه واما ما ذكرت من أن أهل الشرع ينكرون كرويتها فليس كما زعمت وكلامهم ينادي بخلافه قال العلامة قدس الله روحه في كتاب الصوم من التذكرة ان الأرض كرة فجاز ان يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر لان حدبة الأرض مانعة لرؤيته وقد رصد ذلك أهل المعرفة وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب الغربية لمن جد في السير نحو المشرق وبالعكس انتهى كلامه زيد اكرامه وقال ولده فخر المحققين رحمه الله في الايضاح الأقرب ان الأرض كروية لان الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية وكذا في الغروب فكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي بساعة واحدة ثم إنه طاب ثراه بسط الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه واما ما ظننت من إفادة الآيات الكريمة عدم الكروية فليس كذلك إذ كون الأرض بجملتها كرة لا ينافي امتنانه سبحانه بجعلها فراشا للناس ومهادا لهم ومبسوطة لمنافعهم فان عظم حجمها لا يأبى ذلك وقد نقل الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي قدس الله سره في مجمع البيان مثل هذا عن السيد المرتضى رضي الله عنه وان المستدل على عدم كرويتها بقوله تعالى الذي جعل لكم الأرض فراشا هو أبو علي الجبائي وانه لا دلالة في الآية الكريمة على ما زعمه وقال في الكشاف عند تفسير هذه الآية أعني قوله تعالى الذي جعل لكم الأرض فراشا فان قلت هل فيه دليل على أن الأرض مسطحة وليست بكرية قلت ليس فيه الا ان الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفارش وسواء كانت على شكل المسطح أو شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع لعظم حجمها واتساع جرمها وتباعد أطرافها انتهى واما قولك ينبغي القطع بعدم جواز التعويل على كلام علماء الهيئة في باب القبلة وغيره فمما لا يلتفت إليه بعد تصريح محققي علمائنا قدس الله أرواحهم بخلافه بل قال شيخنا طاب ثراه في الذكرى ان أكثر امارات القبلة مأخوذ من علم الهيئة وهي مفيدة للظن الغالب بالعين والقطع بالجهة انتهى واما ما زعمت من أن شيئا من كلامهم لا يفيد علما ولا ظنا فبعيد عن جادة الانصاف جدا وكيف لا يفيد شئ من كلامهم علما ولا ظنا وقد ثبت أكثره بالدلائل الهندسية والبراهين المجسطية التي لا يتطرق إليها سوء شبهة ولا يحوم حولها وصمة ريب كما هو ظاهر على من له دوبة في رد فروع ذلك العلم الشريف إلى أصوله واما قولك انه لا وثوق لك باسلامهم فضلا عن عدالتهم فكيف يجوز لك التعويل على كلامهم قبل تيقن مضمونه فكلام عار عن حلية السداد إذ اليقين غير شرط ورجوع الفقهاء فيما يحتاجون إليه من كل فن إلى علماء ذلك الفن وتعويلهم على قواعدهم إذا لم يكن مخالفة لقانون الشرع شايع ذائع معروف فيما بينهم خلفا عن سلف كرجوعهم في مسائل النحو إلى النحاة وفي مسائل اللغة (إلى اللغويين) وفي مسائل الطب إلى الأطباء وفي مسائل المساحة والجبر والمقابلة والخطأين وما شاكلها إلى أهل الحساب من غير بحث عن عدالتهم وفسقهم بل يأخذون عنهم تلك المسائل مسلمة ويعملون بها من دون نظر في دلائلهم التي أدتهم إليها لحصول الظن الغالب بان الجم الغفير من الحذاق في صناعة من الصناعات إذا اتفقت كلمتهم على شئ مما يتعلق بتلك الصناعة فهو أبعد عن الخطأ وهذا من قبيل الظن
(١٩٤)