من أنه إذا ظهر بعد الفراغ من الصلاة انها كانت إلى غير القبلة فإن كان الوقت باقيا وجبت الإعادة والا فلا يعطي باطلاقه عدم الفرق بين إذا كان الانحراف عن القبلة يسيرا لا يبلغ اليمين أو اليسار وبين ما إذا بلغ ذلك لكن علماؤنا على عدم وجوب الإعادة مطلقا ان كان الانحراف يسيرا أو وجوب الإعادة فقط ان بلغ اليمين أو اليسار ونقل بعضهم الاجماع في الصورتين وأما إذا تبين انه كان مستدبرا فالشيخان على الإعادة في الوقت وخارجه والمرتضى والمحقق وأكثر المتأخرين على الإعادة في الوقت خاصة واطلاق هذين الحديثين يدل عليه واحتج الشيخ على الإعادة مطلقا بالحديث السادس وستسمع الكلام فيه وقول الراوي في الحديث الخامس فيرى انه انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا يراد به انحراف اليسير نحوهما لا بلوغ الانحراف نفس اليمين أو الشمال وقوله عليه السلام في جوابه ما بين المشرق والمغرب قبلة يؤذن بذلك ولعل الكلام في قبلة العراق فان معاوية بن عمار عراقي فالظاهر سؤاله عن الحال في قبلة بلاده ويمكن كونه في قبلة المدينة المشرفة وقوله عليه السلام ان الآية الكريمة نزلت في قبلة المتحير تقضي ضعف ما نقله بعض المفسرين عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزولها من أن اليهود لما أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة عن بيت المقدس نزلت الآية ردا عليهم وكذا ما نقلوه عن قتادة من أنه كان يجوز للمسلمين في مبادئ الاسلام التوجه في صلاتهم إلى حيث شاؤوا وفي ذلك نزلت الآية ثم نسخت بقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وقد روى الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سرية كنت فيها فاصابتنا ظلمه فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا قد عرفنا القبلة هي هيهنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا وقال بعضنا القبلة هيهنا قبل الجنوب وخطوا خطوطا فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى هذه الآية واعلم أن العلامة في المنتهى بعدما استدل بالحديث الخامس على عدم الإعادة بالانحراف اليسير مطلقا استدل بالحديث الثالث والرابع وحديثين آخرين على وجوب الإعادة ببلوغ الانحراف نفس اليمين أو اليسار في الوقت خاصة ثم قال لا يقال هذه الأحاديث تتناول أيضا ما لو صلى إلى ما بين المشرق والمغرب وأنتم لا تقولون به لأنا نقول انا خصصنا تلك بحديث معاوية بن عمار يعني الحديث الخامس ثم قال لا يقال تخصيص هذه الأحاديث بخبر معاوية بن عمار أولى من تخصيص خبر معاوية بها بان نقول قوله عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبلة اي لمن خرج الوقت بعد صلاته إلى غير القبلة لأنا نقول ما ذكرناه أولى لوجهين أحدهما موافقة الأصل وهو براءة الذمة ولو حملنا حديث معاوية على ما ذكرتم لزمت الإعادة لمن صلى بين المشرق والمغرب في الوقت والأصل عدمه الثاني انا نمنع تخصيص ما ذكرتم من الأحاديث أصلا لان قوله عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبلة ليس مخصصا للحديث الدال على عدم وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه لمن صلى إلى غير القبلة أقصى ما يدل عليه ان ما بين المشرق والمغرب قبلة بل لقائل ان يقول إن قوله عليه السلام إذا صليت وأنت على غير القبلة تتناول لفظ القبلة فيه ما بين المشرق والمغرب أيضا هذا كلامه أعلى الله مقامه ولا بأس به وقد دل الحديث السادس على أنه إذا تبين الانحراف عن القبلة في أثناء الصلاة فإن كان يسيرا انحرف إلى القبلة وصحت صلاته وان ظهر انه كان
(١٩٩)