ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، بعدد أهل البدر، يجمعهم الله إلى مكة في ليلة واحدة، وهي ليلة الجمعة فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام، لا يتخلف منهم رجل واحد، وينتشرون بمكة في أزقتها يلتمسون منازل يسكنونها فينكرهم أهل مكة، وذلك أنهم لم يعلموا برفقة دخلت من بلد من البلدان لحج أو عمرة ولا تجارة، فيقول بعضهم لبعض إنا لنرى في يومنا هذا قوما لم نكن رأيناهم قبل يومنا هذا، وليس من بلد واحد ولا أهل بدو ولا معهم إبل ولا دواب. فبينما هم كذلك وقد ارتابوا بهم، قد أقبل رجل من بني مخزوم يتخطى رقاب الناس حتى يأتي رئيسهم فيقول لقد رأيت ليلتي هذه رؤيا عجيبة وإني منها خائف وقلبي منها وجل، فيقول له أقصص رؤياك فيقول: رأيت كبة نار انقضت من عنان السماء، فلم تزل تهوي حتى انحطت على الكعبة فدارت فيها فإذا هي جراد ذوات خطر كالملاحف، فأطافت بالكعبة ما شاء الله، ثم تطايرت شرقا وغربا لا تمر ببلد إلا أحرقته، ولا بحضر إلا حطمته فاستيقظت وأنا مذعور القلب وجل، فيقولون لقد رأيت هؤلاء فانطلق بنا إلى الأقرع ليعبرها وهو رجل من ثقيف فقص عليه الرؤيا فيقول الأقرع لقد رأيت عجبا، ولقد طرقكم في ليلتكم جند من جنود الله لا قوة لكم بهم. فيقولون لقد رأينا في يومنا هذا عجبا، ويحدثونه بأمر القوم ثم ينهضون من عنده ويهمون بالوثوب عليهم، وقد ملا الله قلوبهم منهم رعبا وخوفا. فيقول بعضهم لبعض وهم يتآمرون بذلك: يا قوم لا تعجلوا على القوم إنهم لم يأتوكم بعد بمنكر، ولا أظهروا خلافا، ولعل الرجل منهم يكون في القبيلة من قبائلكم، فإن بدا لكم منهم شر فأنتم حينئذ وهم. وأما القوم فإنا نراهم متنسكين وسيماهم حسنة، وهم في حرم الله تعالى الذي لا يباح من دخله حتى يحدث به حدثا تجب محاربتهم. فيقول المخزومي وهو رئيس القوم وعميدهم: إنا لا نأمن أن يكون وراءهم مادة لهم، فإذا التأمت إليهم كشف أمرهم وعظم شأنهم فنهضتموهم وهم في قلة من العدد وغرة في البلد، قبل أن تأتيهم المادة. فإن هؤلاء لم يأتوكم مكة إلا وسيكون لهم شأن. وما أحسب
(٣٦)