المتعال، ذو الجلال والاكرام، ديان يوم الدين، رب آبائنا الأولين، ونشهد ان محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق داعيا إلى الحق، وشاهدا على الخلق، فبلغ رسالات ربه كما امره، لا متعديا ولا مقصرا وجاهد في الله أعدائه، لا وانيا ولا ناكلا، ونصح له في عباده صابرا محتسبا، فقبضه الله اليه، وقد رضى عمله وتقبل سعيه وغفر ذنبه صلى الله عليه وآله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله واغتنام ما استطعتم عملا به من طاعته في هذه الأيام الخالية، والرفض لهذه الدنيا التاركة لكم، وإن لم تكونوا تحبون تركها والمبلية لكم وان كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا، فكأن قد قطعوه، وافضوا إلى علم، فكأن قد بلغوه وكم عسى المجرى إلى الغاية ان يجرى إليها حتى يبلغها، وكم عسى ان يكون بقاء من له يوم لا يعدوه وطالب حثيث في الدنيا يحدوه حتى يفارقها، فلا تتنافسوا في عز الدنيا وفخرها، ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها، فان عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع وان زينتها ونعيمها إلى زوال وان ضرها - 1 - وبؤسها إلى نفاد، وكل مدة منها إلى منتهى، وكل حي منها إلى فناء وبلاء أوليس لكم في آثار الأولين وفى آبائكم الماضين معتبر - 2 - وتبصرة ان كنتم تعقلون.
الم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، والى الخلف الباقين منكم لا يبقون - 3 - قال الله تبارك وتعالى: " وحرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون " وقال: " كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الامتاع الغرور " أولستم ترون إلى اهل الدنيا وهم يصبحون ويمسون على أحوال شتى: فميت يبلى وآخر يعزى - 4 - وصريع - 5 - يتلوى، و