أتى إلى داري فأحضرت الطعام وأكلنا وقال لي: آتني بأوزان الذهب. فطلع أبو البقاء إلى زيد بن واقصة وهو صائغ على باب دار التقي بن أسامة العلوي النسابة فأخذ منه الصينية وفيها أوزانها كلها فجمع الرجل جميع الأوزان فوضعها في الكفة وأخرج كيسا مملوءا ذهبا وترك منه بحذاء الأوزان وصبه في حجر القيم ونهض وشد ما تخلف وأخذ مداسه، فقال له القيم: يا سيدي ما أصنع بهذا؟ - قال: هو لك، الذي قال لك: ارجع إلى حيث كنت قال لي: أعطه حذاء الأوزان التي يأتي بها، فوقع القيم مغشيا عليه ومضى الرجل وقام القيم فزوج بناته وعمر داره وحسنت حاله.
وقال: إن في سنة خمس وسبعين وخمسمائة كان الأمير مجاهد الدين سنقر قد وقع بينه وبين بني خفاجة شئ فما كان أحد منهم يأتي المشهد ولا غيره إلا وله طليعة، فأتى فارسان فدخل أحدهما المشهد وبقي الآخر طليعة فطلع سنقر من مطلع الرهيمي وأتى مع السور فلما بصربه الفارس نادى: جاءت العجم. فأفلت ومنعوا الآخر أن يخرج من الباب واقتحموا وراءه فدخل راكبا ثم نزل من فرسه قدام باب السلام ومضت الفرس ودخلت دار ابن عبد الحميد ودخل البدوي إلى الضريح الشريف فقال سنقر: آتوني به فجاءت المماليك يجذبونه من على الضريح الشريف وقد لزم البدوي برمانة الضريح وهو يقول: يا أبا الحسن أنت عربي وأنا عربي و عادة العرب الدخول وقد دخلت عليك يا أبا الحسن دخليك دخيلك وهم يفكون أصابعه عن الرمانة وهو يقول: لا تخفر ذمامك. فأخذوه ومضوا به فأراد أن يقتله فقطع على نفسه مأتي دينار وفرسا فكفله ابن بطن الحق ومضى ليأتي المال والفرس، فلما كان الليل وأنا نائم مع والدي محمد بن طحال بالحضرة وإذا بالباب يطرق ففتح الباب وإذا أبو البقاء والبدوي معه وعليه جبة حمراء وعمامة زرقاء ومملوك على رأسه منشفة مكورة فدخلوا القبة الشريفة حين فتحت ووقفوا قدام الشباك وقال: يا أمير المؤمنين عبدك سنقر يسلم عليك ويقول لك: إلى الله وإليك المعذرة والتوبة وهذا دخيلك، هذا كفارة ما صنعت. فقال له والدي: ما سبب هذا؟ - قال: إنه رأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وبيده حربة وهو يقول: والله لئن لم تخل سبيل دخيلي لأنزعن نفسك