أما أولا: فللمنع من الحديث الذي استدل به الشافعي (1)، وهو قوله عليه السلام:
(إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا) (2) فإن الحنفية قد طعنوا فيه، حتى قالوا: إنه مدني (3)، فلو كان صحيحا لعرفه مالك (4).
وأما ثانيا: فلأن القلة مجهولة، وقد (5) فسرها أهل اللغة بالجرة (6)، وهي أيضا مجهولة، فالحوالة فيما يعم به البلوى، وما تمس الحاجة إليه على مثل هذا الخفي مناف للحكمة، فإن ابن دريد (7)، قال: القلة من قلال هجر عظيمة تسع خمس قرب (8)، فلا يكون منافيا لما ذهبنا إليه من الكر. والقول بمذهب أبي حنيفة باطل لأنه تقدير غير شرعي، ولأنه مجهول، فإن الحركة قابلة للشدة والضعف، والتعليق للطهارة والنجاسة بذلك إحالة على ما لا يعلم والتقدير بعشرة أذرع مجرد استحسان من غير دليل، مع أن الحديث الصحيح عندهم يبطل ذلك كله، وهو أن النبي صلى الله عليه وآله أتاه الماء، فقالوا:
أن حياضنا ترده السباع، والكلاب، والبهائم؟ قال: (لها ما أخذت بأفواهها ولنا ما غبر) (9).