مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٢١
به الرجلان بعد مسح الخف وماء غسل به الوجه قبل بطلان التيمم، وماء غسل به الخبث المعفو عنه فإنها لا ترفع مع أنها لم تستعمل في فرض. وأجاب شيخنا عن الأول بمنع عدم رفعه، لأن غسل الرجلين لم يؤثر شيئا وفيه احتمال للبغوي، وعن الثاني بأنه استعمل في فرض وهو رفع الحدث المستفاد به أكثر من فريضة، وعن الثالث بأنه استعمل في فرض أصالة. (فإن جمع) المستعمل على الجديد (فبلغ قلتين فطهور في الأصح) لأن النجاسة أشد من الاستعمال. وأما الماء المتنجس لو جمع حتى بلغ قلتين، أي ولا تغير به، صار طهورا قطعا، فالمستعمل أولى. والثاني: لا يعود طهورا لأن قوته صارت مستوفاة بالاستعمال فالتحق بماء الورد ونحوه، وهذا اختيار ابن سريج.
واعلم أن الماء ما دام مترددا على المحل لا يثبت له حكم الاستعمال ما بقيت الحاجة إلى الاستعمال بالاتفاق للضرورة، فلو نوى جنب رفع الجنابة ولو قبل تمام الانغماس في ماء قليل أجزأه الغسل به في ذلك الحدث، وكذا في غيره ولو من غير جنسه كما هو مقتضى كلام الأئمة وصرح به القاضي وغيره، لأن صورة الاستعمال باقية إلى الانفصال، والماء في حال استعماله باق على طهوريته خلاف لما بحثه الرافعي وتبعه ابن المقري من أنه لا يجزئه لغير ذلك الحدث. ويؤيد الأول ما لو كان به خبث بمحلين فمر الماء بأعلاهما ثم بأسفلهما طهرا معا كما قاله البغوي. ويؤخذ مما مر أن الجنب لو نزل في الماء القليل ونوى رفع الجنابة قبل تمام الانغماس ثم اغترف الماء بإناء أو بيده وصبه على رأسه أو غيره لا ترتفع جنابة ذلك العضو الذي اغترف له بلا خلاف، كما صرح به المتولي والروياني وغيرهما. وهو واضح لأنه انفصل. ولو نوى جنبان معا بعد تمام الانغماس في ماء قليل طهرا، أو مرتبا ولو قبل تمام الانغماس فالأول فقط، أو نويا معا في أثنائه لم يرتفع حدثهما عن باقيهما.
ولو شكا في المعية، قال شيخنا: فالظاهر أنهما يطهران، لأنا لا نسلب الطهورية بالشك وسلبها في حق أحدهما فقط ترجيح بلا مرجح.
والماء المتردد على عضو المتوضئ وعلى بدن الجنب وعلى المتنجس إن لم يتغير طهور، فإن جرى الماء من عضو المتوضئ إلى عضوه الآخر وإن لم يكن من أعضاء الوضوء كأن جاوز منكبه أو تقاطر من عضو ولو من عضو بدن الجنب صار مستعملا.
نعم ما يغلب فيه التقاذف كمن الكف إلى الساعد وعكسه لا يصير مستعملا للعذر وإن خرقه الهواء كما جزم به الرافعي، ولو غرف بكفه جنب نوى رفع الجنابة، أو محدث بعد غسل وجهه الغسلة الأولى على ما قاله الزركشي وغيره، أو الغسلات الثلاث كما قاله العز بن عبد السلام، وهو أوجه إن لم يرد الاقتصار على أقل من ثلاث من ماء قليل ولم ينو الاغتراف بأن نوى استعمالا أو أطلق صار مستعملا، فلو غسل بما في كفه باقي يده لا غيرها أجزأه، وأما إذا نوى الاغتراف بأن قصد نقل الماء من الاناء والغسل به خارجه لم يصر مستعملا، ولا يشترط لنية الاغتراف نفي رفع الحدث. (ولا تنجس قلتا الماء) الصرف، (بملاقاة نجس) جامد أو مائع، لقوله (ص): إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، قال الحاكم: على شرط الشيخين.
وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد صحيح: فإنه لا ينجس وهو المراد بقوله: لم يحمل الخبث. أي يدفع النجس ولا يقبله. وفارق كثير الماء كثير غيره فإنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة بأن كثيره قوي ويشق حفظه عن النجس، بخلاف غيره وأن كثر. وخرج بقولنا الصرف ما لو وقع في الماء مائع يوافقه في الصفات وفرضناه مخالفا فلم يغيره فحكمنا بطهوريته وكان الماء الصرف ينقص عن قلتين بقدر المائع الواقع فيه فصار قلتين ووقعت فيه بعد صيرورته قلتين نجاسة فإنه ينجس بمجرد ملاقاتها، وإنما تدفع النجاسة قلتان من محض الماء. واستشكل بتصحيحهم جواز استعمال جميع ذلك الماء وإن كان وحده غير كاف للطهارة، ونزلوا المائع المستهلك منزلة الماء من وجه دون وجه. وأجيب بأن رفع الحدث وإزالة النجس من باب الرفع، ودفع النجاسة من باب الدفع، والدفع أقوى من الرفع، والدافع لا بد أن يكون أقوى من الرافع.
ويؤيد ذلك أن الماء القليل إذا ورد على نجاسة طهرها وتجوز الطهارة به، ولا يدفع عن نفسه النجاسة إذا وقعت فيه، وبأن المستعمل إذا بلغ قلتين كان في عوده طهورا وجهان، ولو استعمل قلتين ابتداء لم يصر مستعملا بلا خلاف، لأن الماء إذا استعمل وهو قلتان كان دافعا للاستعمال، وإذا جمع كان رافعا، والدفع أقوى من الرفع كما مر. ويؤخذ من الحكم بتنجيسه أنه لو انغمس فيه جنب صار مستعملا، لأنه كما لا يدفع النجاسة لا يدفع الاستعمال، نبه على ذلك الزركشي.
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532