والرابع: أنه لو صح الخبر وصح فيه أنه لم يكن ركع، وصح ان ذلك كان بعد أمره عليه السلام من جاء والامام يخطب بأن يركع، وكل ذلك لا يصح منه شئ -: لما كانت لهم فيه حجة، لأننا لم نقل إنهما فرض، وإنما قلنا: إنهما سنة يكره تركها، وليس فيه نهى عن صلاتهما فبطل تعلقهم بهذا الخبر الفاسد جملة. وبالله تعالى التوفيق، وبقى أمره عليه السلام بصلاتهما لا معارض له.
وتعلل بعضهم بخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري: (ان رجلا دخل المسجد) - فذكر الحديث وفيه - (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امره ان يصلى ركعتين، ثم قال: إن هذا دخل المسجد في هيئة بذة فأمرته ان يصلى ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه) قالوا: فإنما امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركعتين ليفطن فيتصدق عليه.
قال أبو محمد: وهذا الحديث من أعظم الحجج عليهم، لان فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاتهما، وعلى كل حال فليس اعتراض على حديث جابر الذي ذكرنا، وفيه قوله عليه السلام: (من جاء يوم الجمعة والامام يخطب أو قد خرج فليركع ركعتين).
ثم نقول لهم: قولوا لنا: هل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك بحق أم بباطل؟ فان قالوا بباطل، كفروا، وإن قالوا: بحق أبطلوا مذهبهم، ولزمهم الامر بالحق الذي امر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح انهما حق على كل حال، إذ لا يأمر عليه السلام بوجه من الوجوه إلا بحق.
ثم نقول لهم: إذ قلتم هذا فتقولون أنتم به فتأمرون من دخل بهيئة بذة والامام يخطب يوم الجمعة بأن يركع ركعتين ليفطن له فيتصدق عليه؟ أم لا ترون ذلك؟ فان قالوا: نأمره بذلك تركوا مذهبهم، وإن قالوا: لسنا نأمره بذلك، قيل لهم: فأي راحة لكم في توجيهكم (1) للخبر الثابت وجوها أنتم مخالفون لها، وعاصون للخبر على كل حال؟ وهل ههنا إلا ايهام الضعفاء المغترين المحرومين أنكم أبطلتم حكم الخبر وصححتم بذلك قولكم؟ والامر في ذلك بالضد، بل هو عليكم. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقال بعضهم: لما لم يجز ابتداء التطوع لمن كان في المسجد لم يجز لمن دخل المسجد