مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣٦٢
مواتا ولم يترك حقه ولم تمض مدة يسقط فيها حقه فلا يحل للمسلم تملكه، وإن كان لو فعل ملكه، وإن حمل الجواز في كلامه على الصحة فلا إيراد. ويستثنى من إطلاقه تملك الأرض التي لم تعمر ما تعلق بها حق المسلمين عموما، كالطريق والمقبرة وكذا عرفة ومزدلفة ومنى وما حماه النبي (ص) لنعم الصدقة كما ذكره بعد، ومن مفهوم قوله: لم تعمر قط ما كان معمورا في الجاهلية ثم خرب وبقي آثار عمارتهم فللمسلم تملكه كما سيذكره. وما عمره الكافر في موات دار الاسلام فإنه لا يملكه كما قال، (وليس هو) أي إحياء الأرض المذكورة، (لذمي) ولا لغيره من الكفار كما فهم بالأولى وإن أذن له فيه الإمام، لأنه استعلاء وهو ممتنع عليهم بدارنا. فلو أحيا ذمي أرضا نزعت منه ولا أجرة عليه فلو نزعها منه مسلم وأحياها ملكها، وإن لم يأذن له الإمام كما في زيادة الروضة، إذ لا أثر لفعل الذمي، فإن بقي له فيها عين نقلها. ولو زرعها الذمي وزهد فيها صرف الإمام الغلة في المصالح، ولا يحل لاحد تملك الغلة، وللذمي والمستأمن الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد بدارنا ونقل تراب من موات دارنا لا ضرر علينا فيه، أما الحربي فيمنع من ذلك، لكن لو أخذ شيئا من ذلك ملكه كما قاله المتولي. (وإن كانت) تلك الأرض (ببلاد الكفار) دار حرب وغيرها، (فلهم إحياؤها) مطلقا، لأنه من حقوق دارهم ولا ضرر علينا فيه فيملكونه بالاحياء كالصيد. (وكذا للمسلم) أيضا إحياؤها (إن كانت مما لا يذبون) بكسر المعجمة وضمها: أي يدفعون، (المسلمين عنها) كموات دارنا، ولا يملكها بالاستيلاء لأنها غير مملوكة لهم حتى يملك عليهم. فإن ذبوهم عنها فليس له إحياؤها كما صرح به في المحرر. واقتضاه كلام المصنف كالمعمور من بلادهم.
وإذا استولينا عليها وهم يذبون عنها فالغانمون أحق بإحياء أربعة أخمساها وأهل الخمس أحق بإحياء الخمس، فإن أعرض كل الغانمين عن إحياء ما يخصهم فأهل الخمس أحق به كالمتحجر لأنهم شركاؤهم فكانوا أحق به اختصاصا. فإن صالحناهم على أن البلد لنا وهم يسكنون بجزية فالمعمور منها فئ ومواتها الذي كانوا يذبون عنه يتحجر لأهل الفئ على ا الأصح فيحفظه الإمام لهم فيكون فيئا في الحال. أو صالحناهم على أن البلد لهم فالمتحجر في ذلك الموات لهم تبعا للمعمور، كما أن تحجر موات دارنا لنا تبعا للمعمور. فإن فني الذميون فكنائسهم في دار الاسلام كسائر أموالهم التي فنوا عنها ولا وارث لهم. وبيع النصارى التي في دار الاسلام لا تملك بالاحياء. والمراد بدار الاسلام كل بلدة بناها المسلمون كبغداد والبصرة، أو أسلم أهلها عليها كالمدينة واليمن، أو فتحت عنوة كخيبر وسواد العراق، أو صلحا على أن تكون الرقبة لنا وهم يسكنونها بخراج، وإن فتحت على أن الرقبة لهم فمواتها كموات دار الحرب، ولو غلب الكفار على بلدة يسكنها المسلمون كطرسوس لا تصير دار حرب. (وما كان معمورا) من بلاد الاسلام أو غيرها وإن خصصه بعض الشراح ببلاد الاسلام، (فلمالكه) إن عرف مسلما كان أو ذميا أو نحوه أو لوارثه، ولا يملك ما خرب منه بالاحياء.
نعم استثنى الماوردي ما أعرض عنه كافر قبل القدرة عليه فإنه يملك بالاحياء.
تنبيه: شمل كلامه ما كان معمورا في الحال أو معمورا في الزمن السابق ثم اندرس، بل هو في هذا أظهر وأولى من قول المحرر: والمعمور لا يدخل الاحياء فيه بل هو لمالكه. (فإن لم يعرف) مالكه (والعمارة إسلامية فمال) أي فهذا المعمور مال (ضائع) لأنه لمسلم أو ذمي أو نحوه وأمره إلى الإمام في حفظه إلى ظهور مالكه، أو بيعه وحفظ ثمنه أو استقراضه على بيت المال.
تنبيه: لو خربت قرية للمسلمين وتعطلت ولم يعرف مالكها فهل للإمام إعطاؤها لمن يعمرها؟ وجهان: أوجههما أن له ذلك أخذا من قول السبكي. وكل ما لا يعرف مالكه ولا يرجى ظهوره فهو لبيت المال فيجوز للإمام أن يأذن فيه كسائر مال بيت المال. ويؤخذ منه أيضا ما عمت به البلوى من أخذ العشور والمكوس وجلود البهائم ونحوها التي تذبح وتؤخذ من ملاكها بغير اختيارهم وغير ذلك وتصير بعد ذلك لا يعرف ملاكها أنها تصير لبيت المال. (وإن كانت) أي العمارة، (جاهلية) بأن كان عليها آثار عماراتهم، (فالأظهر) وحكى جمع الخلاف على وجهين، (أنه) أي ما كان
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429