شرط ينافي مقتضاها بناء على أنه لا يغرم عند الاطلاق. والثاني: يصح بناء على مقابله. فإن قيل: هلا بطل الشرط فقط كما لو أقرضه بشرط رد مكسر عن صحيح أو لشرط الخيار للمضمون له أو ضمن المؤجل بشرط الحلول بجامع أنه زاد خيرا أجيب بأن المشروط في تلك صفة تابعة، وفي هذه أصل بفرد بعقد، والتابع يغتفر فيه ما لا يغتفر في الأصل. ولو قال:
كفلت بدنه فإن مات فعلي المال صحت الكفالة وبطل التزام المال، قاله الماوردي. وهو كما قال الزركشي محمول على ما إذا لم يرد به الشرط وإلا بطلت. (و) الأصح (أنها لا تصح بغير رضا المكفول) الذي يعتبر إذنه أو الولي حيث لا يعتبر، بناء على أن الكفيل لا يغرم المال عند العجز فلا فائدة لها إلا حضور المكفول، وهو لا يلزمه الحضور مع الكفيل حينئذ. والثاني:
تصح بناء على أنه يغرم فيلزمه المال لأنه عاجز عن إحضاره.
تنبيه: علم من كلام المصنف أنه لا يشترط رضا المكفول له، وهو الأصح، كما لا يشترط رضا المضمون له، فلو تكفل به بلا إذن منه لم تلزمه إجابة الكفيل فليس للكفيل مطالبته، وإن طالب المكفول له الكفيل كما في ضمان المال بغير إذن إلا إن سأله المكفول له إحضاره كأن قال له أحضره إلى القاضي فإنه إذا أحضره باستدعاء القاضي وجب عليه، لكنه ليس بسبب الكفالة بل لأنه وكيل صاحب الحق، وعلى هذا لا بد من اعتبار مسافة العدوي. وإنما اعتبر استدعاء القاضي لأن صاحب الحق لو طلب إحضار خصمه إلى القاضي لم يلزمه الحضور معه بل يلزمه أداء الحق إن قدر عليه وإلا فلا شئ عليه. وإذا امتنع الكفيل من إحضار المكفول في هاتين الصورتين لم يحبس، أما في الصورة الأولى وهي فيما إذا لم تلزمه الإجابة فإنه حبس على ما لا يقدر عليه، وأما في الثانية وهي فيما إذا قال له أحضره إلى القاضي فلانه وكيل.
تتمة: لو مات الكفيل بطلت الكفالة ولا شئ للمكفول له في تركته لأنه لا يلزمه مال كما مر، ولو مات المكفول له لم تبطل ويبقى الحق لورثته كما في ضمان المال، فلو خلف ورثة وغرماء وأوصياء لم يبرأ الكفيل إلا بالتسليم إلى الجميع، ويكفي التسليم إلى الموصى له عن التسليم إلى الوصي في أحد وجهين كما رجحه بعض المتأخرين، أي إذا كان الموصى له محصورا لا كالفقراء ونحوهم كما قال الأذرعي.
فصل: في بيان الصيغة، وهي الركن الخامس للضمان الشامل للكفالة معبرا عن ذلك بالشرط، فقال: (يشترط في الضمان) للمال (والكفالة) للبدل صيغة لتدل على الرضى، وهي (لفظ) صريح أو كناية (يشعر بالتزام) كغيره من الحقول، وفي معناه الكتابة وإشارة أخرس مفهمة (كضمنت لك (دينك عليه) أي فلان، (أو تحملته أو تقلدته) أو التزمته (أو تكفلت ببدنه أو أنا بالمال) الذي على زيد (أو بإحضار الشخص ضامن أو كفيل أو زعيم أو حميل) أو قبيل، أو علي ما على فلان، لثبوت بعض ذلك بالنص والباقي بالقياس، مع اشتهار لفظ الكفالة بين الصحابة فمن بعدهم. وكل هذه الألفاظ صرائح، ومن ألفاظ الكفالة: خل عن فلان والدين الذي عليه عندي، أو دين فلان إلي. ولو تكفل فأبرأه المستحق ثم وجده ملازما للخصيم فقال خله وأنا على ما كنت عليه من الكفالة صار كفيلا، لأنه إما مبتدئ بالكفالة بهذا اللفظ أو مخبر به عن كفالة واقعة بعد البراءة. فإن قيل:
لو قال سيد المكاتب له بعد فسخ الكتابة: أقررتك على الكتابة لم تعد، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الضمان محض غرر وغبن، فيكفي فيه ذلك من الملتزم بخلاف الكتابة ونحوها. ولو قال: تكفلت بجسمه أو روحه فهو كقوله: تكفلت ببدنه. ولو تكفل بجزء شائع كالثلث أو ما لا يبقى الشخص بدونه كالكبد والقلب والرأس والروح والدماغ، فهو كقوله: تكفلت ببدنه كما قاله صاحب التنبيه وأقره عليه المصنف في تصحيحه وجريت عليه في شرحه، وليس في الشرحين والروضة تصريح بتصحيح، أما ما يبقى الشخص بدونه كاليد والرجل فلا يكفي. وتقدم الجواب في كتاب البيع عن قولهم كل ما صح تعليقه كالطلاق تصح إضافته