لعدم تقصيره، (و) له مطالبة (المدفوع إليه) اللقطة لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه. نعم لو كانت اللقطة قد أتلفها الملتقط بعد التملك ثم ادعاها بعد وصفها فسلم إليه البدل ثم جاء آخر فأقام بينة بها لم يرجع على المدفوع إليه لتلفه في يده، لأن الذي حصل في يده مال الملتقط لا مال المدعي. (و) إذا كان له تغريم المدفوع إليه ف (- القرار عليه) لتلفه في يده.
نعم لو كان الملتقط قد أقر للواصف بالملك ثم غرم صاحب البينة الملتقط لم يرجع على المدفوع إليه، لأنه يزعم أن المدعي ظلمه، والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه. ولما كان كلام المحرر في تملك اللقطة شاملا للقطة الحرم أشار المصنف لاخراجها بقوله: (قلت) كما قال الرافعي في الشرح: (لا تحل لقطة الحرم) وفي الروضة وأصلها: مكة وحرمها، (للتملك) بل للحفظ أبدا (على الصحيح) المنصوص، لخبر الصحيحين: إن هذا البلد حرمه الله لا يلتقط لقطته إلا من عرفها، وفي رواية للبخاري:
لا تحل لقطته إلا لمنشد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: أي لمعرف، ففرق (ص) بينها وبين غيرها، وأخبر أنها لا تحل إلا للتعريف. ولم يوقت في التعريف بسنة كغيرها، فدل على أنه أراد التعريف على الدوام وإلا فلا فائدة في التخصيص.
والمعنى فيه أن حرم مكة شرفها الله تعالى مثابة للناس يعودون إليه المرة بعد الأخرى، فربما يعود مالكها من أجلها، أو يبعث في طلبها، فكأنه جعل ماله به محفوظا عليه كما غلظت الدية فيه. والثاني: تحل. والمراد بالخبر تأكيد التعريف لها سنة لئلا يظن الاكتفاء بتعريفها في الموسم لكثرة الناس فيه.
تنبيه: محل الخلاف في المتمول، أما غيره فيستبد به واجدة كما هو ظاهر وإن لم أر من تعرض له. وكان ينبغي للمصنف أن يعبر كعبارة الروضة المتقدمة ليخرج حرم المدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فإنه ليس كحرم مكة كما اقتضاه كلام الجمهور وصرح به الدارمي والروياني وإن سوى بينهما البلقيني، وليست لقطة عرفة ومصلى إبراهيم كلقطة الحرم، وحكايته الخلاف وجهين موافق للروضة ومخالف للشرحين في حكايته قولين. (ويجب تعريفها) عند التقاطها للحفظ للخبر المار. وقوله: (قطعا) زيادة على الرافعي في الشرح، (والله أعلم) ولا يجئ فيه الوجه المتقدم فيمن التقط للحفظ. ونقل في زيادة الروضة عن الأصحاب أنه يلزم الملتقط الإقامة للتعريف أو دفعها للحاكم، قال ابن المقري: وقد يجئ هذا التخيير في كل ما التقط للحفظ.
خاتمة: لو أخذ اللقطة اثنان فترك أحدهما حقه من الالتقاط للآخر لم يسقط، وإن أقام كل منهما بينة بأنه الملتقط ولم يسبق تاريخ لهما تعارضتا. ولو سقطت من الملتقط لها فالتقطها آخر فالأول أولى بها منه لسبقه. ولو أمر واحد آخر بالتقاط لقطة رآها فأخذها فهي للآمر إن قصده الآخر ولو مع نفسه وإلا فهي له، ولا يشكل هذا بما مر في الوكالة من عدم صحتها في الالتقاط، لأن ذلك في عموم الالتقاط، وهذا في خصوص لقطة وجدت، فالامر يأخذها استعانة مجردة على تناول شئ معين. وإن رآها مطروحة فدفعها برجله وتركها ضاعت لم يضمنها، لأنها لم تحصل في يده. ولو أخذ خمرا أراقها صاحبها فتخللت عنده ملكها بلا تعريف لها، وقيل: تخللها عليه إذا جمعها إراقتها إلا إذا علم أنها محترمة فيعرفها كالكلب المحترم.
كتاب اللقيط فعيل بمعنى مفعول كجريح وقتيل، ويسمى ملقوطا باعتبار أنه يلقط، ومنبوذا باعتبار أنه ينبذ إذا ألقي في الطريق ونحوه، ويسمى دعيا أيضا. والأصل فيه مع ما يأتي قوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * وقوله تعالى: * (وافعلوا