ولا يحبس. (ولا يطالبه بقيمته للحيلولة على الصحيح) لامتناع الاعتياض عنه كما مر، لكن له الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه. (وإن) أحضره المسلم إليه في غير محل التسليم ف (- امتنع) المسلم (من قبوله هناك لم يجبر) على قبوله، (إن كان لنقله) إلى محل التسليم (مؤنة، أو كان الموضع) المحضر فيه أو الطريق (مخوفا) لتضرره بذلك، فإن رضي بأخذه لم تجب له مؤنة النقل، بل لو بد لها لم يجز له قبولها لأنه كالاعتياض. (وإلا) بأن لم يكن لنقله مؤنة ولا كان الموضع أو الطريق مخوفا، (فالأصح إجباره) على قبوله لتحصل له براءة الذمة. والخلاف مبني على القولين السابقين في التعجيل قبل الحلول لغرض البراءة، وقد مر تعليلهما.
فصل: في القرض: وهو بفتح القاف أشهر من كسرها، ومعناه القطع، ويطلق اسما بمعنى الشئ المقرض ومصدرا بمعنى الاقراض. (الاقراض) وهو تمليك الشئ على أن يرد بدله. وسمي بذلك لأن المقرض يقطع للمتقرض قطعة من ماله، وتسميه أهل الحجاز سلفا. (مندوب) إليه بقوله تعالى: * (وافعلوا الخير) *، وقوله (ص): من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه رواه مسلم. وفي صحيح ابن حبان عن ابن مسعود: من أقرض مسلما درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة. فإن قيل:
يعارض هذا ما روى ابن ماجة عن انس أن النبي (ص) قال: أرأيت مكتوبا على باب الجنة ليلة أسري بي: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل قد يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. أجيب بأن الحديث الأول أصح لأن هذا تفرد به زيد بن خالد الشامي وهو ضعيف عند الأكثرين. وقال ابن عمر: الصدقة إنما يكتب لك أجرها حين تتصدق بها، وهذا يكتب لك أجره ما كان عند صاحبه.
نعم قد يجب لعارض كالمضطر، وقد يحرم كما إذا غلب على ظنه أنه يصرفه في معصية، وقد يكره كما إذا غلب على ظنه أنه يصرفه في مكروه. وفي الروضة في باب الشهادات أنه إنما يجوز الاقتراض لمن علم من نفسه القدرة على الوفاء إلا أن يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء. ولا يحل له أن يظهر الغنى ويخفي الفاقة عند القرض، كما لا يجوز إخفاء الغنى وإظهار الفاقة عند أخذ الصدقة.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف أن يقول: مندوب إليه كما قدرته في كلامه، وصرح به صاحب التنبيه، وكذا في المحكم وغيره، لكن المعروف جره باللام، تقول: ندبته لكذا فانتدب له، ذكره الجوهري. أما المندوب فهو الشخص نفسه . وأركانه: صيغة وعاقد ومعقود عليه كالبيع. وبدأ بالأول منها فقال: (وصيغته) أي إيجابه: (أقرضتك أو أسلفتك) هذا (أو خذه بمثله أو ملكتكه على أن ترد بدله) أو خذه واصرفه في حوائجك ورد بدله كما في أصل الروضة، وأسقطه المصنف للاستغناء عن واصرفه في حوائجك. وتقدم في البيع أن خذه بكذا أو نحوه كناية فيه فيأتي مثله هنا. ولو اقتصر على ملكتك فهو هبة في الظاهر، والقول في ذكر البدل فيما لو اختلفا فيه قول الآخذ بيمينه، لأن الأصل عدم ذكره والصيغة ظاهرة فيما ادعاه، وبهذا فارق ما لو اختلفا في كون العقد بيعا أو هبة حيث يحلف كل على نفي دعوى الآخر. ( ويشترط قبوله) أي الاقراض (في الأصح) كسائر المعاوضات. وشرط القبول الموافقة في المعنى كالبيع، فلو قال: أقرضتك ألفا فقبل خمسمائة أو بالعكس لم يصح، وإن فرق بعضهم بأن المقرض متبرع فلا يضر قبول بعض المسمى أو الزائد عليه، نعم القرض الحكمي كالاتفاق على اللقيط المحتاج وإطعام الجائع وكسوة العاري لا يفتقر إلى إيجاب وقبول. والثاني: لا يشترط، لأن القرض مكرمة وإباحة إتلاف بشرط الضمان، وظاهر أن الالتماس من المقرض كاقترض مني يقوم مقام الايجاب، ومن المقترض