ويكفي للصحة قوله أنا قادر على انتزاعه. وإن كان المدعى به دينا ففيه الخلاف السابق. أما إذا صالحه على المدعى عليه لتنقطع الخصومة عنه كأن قال صالحني له بعبدي هذا صح الصلح عن الدين لا عن العين، لأنه لا يمكنه أن يملك غيره عينا بغير إذنه بخلاف قضاء دينه كما مر. (وإن لم يقل هو مبطل) مع قوله هو منكر وصالح لنفسه أو للمدعى عليه، (لغا الصلح) لأنه اشترى منه ما لم يثبت ملكه له.
تنبيه: شمل كلامه امتناع ثلاث صور: إحداها أن يقول هو محق. الثانية: لا أعلم حاله. الثالثة: لم يذكر شيئا. وهذه الثالثة قال الأسنوي: لم يصرح بها في الروضة ولا في أصلها، وقال السبكي: إن الامر فيها كما يفهمه إطلاق الكتاب.
ولو وقف مكانا وأقر به لمدع له غرم قيمته لإحالته بينه وبينه بوقفه، فإن أنكر وصالح عنه أجنبي جاز الصلح لأنه بذل مال في قربة. ولو صالح متلف العين مالكها نظر، فإن كان بأكثر من قيمتها من جنسها أو بمؤجل لم يصح الصلح لأن الواجب قيمة المتلف حالة فلم يصح الصلح على أكثر منها ولا على مؤجل لما في ذلك من الربا، وإن كان بأقل من قيمتها أو بأكثر بغير جنسها جاز لفقد المانع. ولو أقر بمحصل فصالح عنه وهما يعرفانه صح الصلح وإن لم يسمه أحد منهما، كما لو قال: بعتك الشئ الذي أعرفه أنا وأنت. ولو وكل المنكر في الصلح عنه أجنبيا جاز كما قاله أبو العباس وجرى عليه ابن المقري، لأن الانكار حرام للكذب والاضرار، فإن أراد إزالة الضرر جاز كمن أذنب ذنبين وأراد التوبة من أحدهما، وكالوارث يجهل أمر التركة فله التوكيل في الصلح لإزالة الشبهة عنه، وقيل: لا يجوز، وجرى عليه أبو إسحق، لأنه مع الانكار ألجأ إلى بيعه منه، ولا يحل لاحد أن يلجئ غيره إلى بيع ماله، وإنكار حق الغير حرام، فلو بذل للمنكر مالا ليقر بالمدعى ففعل لم يصح الصلح لبنائه على فاسد ولا يلزم المال وبذله لذلك وأخذه حرام، ولا يكون مقرا بذلك في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما جزم به ابن كج وغيره.
فصل: في التزاحم على الحقوق المشتركة: (الطريق النافذ) بمعجمة، ويعبر عنه بالشارع، وقيل: بينه وبين الطريق اجتماع وافتراق لأنه مختص بالبنيان ولا يكون إلا نافذا، والطريق يكون ببنيان وصحراء ونافذا وغير نافذ ويذكر ويؤنث. (لا يتصرف فيه) بالبناء للمفعول، (بما يضر المارة) في مرورهم فيه، لأن الحق فيه للمسلمين كافة. وتعبير المصنف بما يضر أولى من قول المحرر:
بما يبطل المرور لأن كل ما أبطل المرور ضر بخلاف العكس، فعبارة المصنف أعم، نبه عليه في الدقائق. (و) على هذا (لا يشرع) أي يخرج، (فيه جناح) أي روشن، (ولا ساباط) أي سقيفة على حائطين والطريق بينهما (يضرهم) أي كل من الجناح والساباط لما تقدم، (بل يشترط ارتفاعه) أي كل منهما، (بحيث يمر تحته) الماشي (منتصفا) من غير احتياج إلى أن يطأطئ رأسه، لأن ما يمنع ذلك إضرار حقيقي. ويشترط مع هذا أن يكون على رأسه الحمولة العالية كما قاله الماوردي، وأن لا يظلم الموضع كما اقتضاه كلام الشافعي وأكثر الأصحاب، ولا عبرة بالاظلام الخفيف. ولو أحوج الاشراع إلى وضع الرمح على كتف الراكب بحيث لا يتأتى نصبه لم يضر لأن وضعه على كتفه لا ضرر فيه. (وإن كان ممر الفرسان والقوافل فليرفعه بحيث يمر تحته المحمل) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية. (على البعير مع أخشاب المظلة) بكسر الميم - كما في الدقائق - فوق المحمل، لأن ذلك قد يتفق وإن كان نادرا.
والأصل في جواز ذلك أنه (ص) نصب بيده ميزابا في دار عمه العباس رواه الإمام أحمد والبيهقي، وقال:
إن الميزاب كان شارعا لمسجده (ص). ولو كان له داران في جانبي الشارع، فحفر تحت الطريق سردابا من إحداهما إلى الأخرى وأحكم أزجه بحيث يؤمن الانهيار لم يمنع، لأنه لا فرق بين أن يرتفق بهذا الطريق أو بما تحته من غير ضرر على