كتاب الاقرار هو لغة الاثبات، من قولهم: قر الشئ يقر قرارا إذا ثبت، وشرعا: إخبار عن حق ثابت على المخبر، فإن كان بحق له على غيره فدعوى، أو لغيره على غيره فشهادة: هذا إذا كان خاصا، فإن اقتضى شيئا عاما فإن كان عن أمر محسوس فهو الرواية، وإن كان عن حكم شرعي فهو الفتوى. ويسمى الاقرار اعترافا أيضا. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى:
* (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) * أي عهدي * (قالوا أقررنا) *، وقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) *، قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه هو الاقرار. وخبر الصحيحين: اغديا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها.
والقياس، لأنا إذا قبلنا الشهادة على الاقرار فلان نقبل الاقرار أولى. وأجمعت الأمة على المؤاخذة به. وأركانه أربعة:
مقر ومقر له وصيغة ومقر به، وقد بدأ المصنف منها بالأول فقال: (ويصح من مطلق التصرف) وهو المكلف الذي لا حجر عليه، ويعتبر فيه أيضا الاختيار، وأن لا يكذبه الحس ولا الشرع كما سيأتي. (و) على هذا (إقرار الصبي والمجنون) والمغمى عليه، ومن زال عقله بعذر كشرب دواء وإكراه على شرب خمر، (لاغ) لامتناع تصرفهم. وسيأتي حكم السكران إن شاء الله تعالى في كتاب الطلاق.
تنبيه: الأصل أن من قدر على الانشاء قدر على الاقرار، ومن لا فلا. واستثني من الأول إقرار الوكيل بالتصرف إذا أنكره الموكل فلا ينفذ وإن أمكنه إنشاؤه، ومن الثاني إقرار المرأة بالنكاح، والمجهول بحريته أو رقه وبنسبه، والمفلس ببيع الأعيان، والأعمى بالبيع ونحوه، والوارث بدين على مورثه، والمريض بأن كان وهب وارثه وأقبضه في الصحة، فكل من هؤلاء يصح إقرارهم بما ذكر ولا يمكنهم إنشاؤه. قال ابن عبد السلام: قولهم من ملك الانشاء ملك الاقرار هو في الظاهر، وأما في الباطن فبالعكس، أي لأنه إذا ملكه باطنا فهو ملكه، فليس له أن يقر به لغيره. (فإن ادعى) الصبي أو الصبية (البلوغ بالاحتلام) أو ادعته الصبية بالحيض (مع الامكان) له بأن كان في سن يحتمل البلوغ، وقد مر بيان زمن الامكان في بابي الحيض والحجر، (صدق) في ذلك لأنه لا يعرف إلا من جهته، والمراد بالاحتلام الانزال في يقظة أو منام.
(ولا يحلف) عليه، وإن فرض ذلك في خصومة وادعى خصمه صباه ليفسد معاملته، لأنه إن كان صادقا فلا حاجة إلى اليمين، وإلا فلا فائدة فيها لأن يمين الصبي غير منعقدة. ولو طلب غاز سهمه من المقاتلة وادعى البلوغ بالاحتلام وجب تحليفه إن اتهم وأخذ السهم. فإن لم يحلف لم يعط شيئا. فإن قيل: هذه الصورة تشكل على ما قبلها. أجيب بأن الكلام فيما مر في وجود البلوغ في الحال، وفي هذه في وجوده فيما مضى لأن صورتها أن تنازع الصبي بعد انقضاء الحرب في بلوغه حال الحرب.
لكن يشكل على هذا ما لو طلب إثبات اسمه في الديوان فإنه يحلف، والأولى في الجواب كما أفاده شيخي أن يقال: إن لم يرده مزاحمة غيره في حقه كطلب السهم وإن لم يثبت له استحقاقا كطلب إثبات اسمه في الديوان لم يحلف وإلا حلف. وإذا لم يحلف فبلغ مبلغا يقطع فيه ببلوغه، قال الإمام: فالظاهر أيضا أنه لا يحلف على أنه كان بالغا حينئذ، لأنا إذا حكمنا بموجب قوله، فقد أنهينا الخصومة نهايتها. وأقره الرافعي في الشرح الكبير، وجزم به في الشرح الصغير من غير عزو. (وإن ادعاه بالسن) بأن قال: استكملت خمس عشرة سنة، (طولب ببينة) عليه وإن كان غريبا لامكانها. ولو أطلق الاقرار بالبلوغ ولم يعين نوعا ففي تصديقه وجهان في فتاوى القاضي: أوجههما كما اختاره الأذرعي الاستفسار، أي أمكن وإلا فالقبول، وكذا إذا أطلقت البينة، فإن قالت بالسن فلا بد من بيان قدره لأن البلوغ به مختلف فيه، نبه عليه شيخي. ولو أقر الرشيد بإتلافه مالا في صغره قبل كما لو قامت به