مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٤٠٦
حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت إليه يعني المسمومة بخيبر، وهذا أصل لما يفعله الملوك في ذلك ويلحق بهم من في معناهم. فإن قيل: كيف كان النبي (ص) يفعل ذلك وقد قال الله تعالى: * (والله يعصمك من الناس) *؟. أجيب بأن ذلك كان قبل نزول الآية، أو أن العصمة لا تنافي تعاطي الأسباب، كما أن إخباره تعالى بأنه يظهره على الدين كله لا ينافي جهاده وأمره بالقتال، فمن تمام التوكل كما قاله بعض السلف سلوك الأسباب والاعتماد على رب الأرباب.
كتاب اللقطة بضم اللام وفتح القاف. وحكى ابن مالك فيها أربع لغات: لقاطة، ولقطة بضم اللام وسكون القاف، ولقطة بضم اللام وفتح القاف، ولقط بفتح اللام والقاف بلا هاء، ونظمها في بيت، فقال:
لقاطة ولقطة ولقطه * ولقط لاقط قد لقطه ويقال اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط بكسرها أيضا. وهي لغة: ما وجد على تطلب، قال تعالى: * (فالتقطه آل فرعون) *.
وشرعا: ما وجد في موضع غير مملوك من مال أو مختص ضائع من مالكه سقوط أو غفلة ونحوها لغير حربي ليس بمحرز ولا ممتنع بقوته ولا يعرف الواجد مالكه. فخرج بغير المملوك ما وجد في أرض مملوكة، فإنه لمالك الأرض إن ادعاه، وإلا فلمن ملك منه، وهكذا حتى تنتهي إلى المحي، فإن لم يدعه فحينئذ يكون لقطة. وبسقوط أو غفلة ما إذا ألقت الريح ثوبا في حجره مثلا أو ألقى في حجره هارب كيسا ولم يعرفه فهو مال ضائع يحفظه ولا يتملكه. وفرقوا بينها وبين المال الضائع، بأن الضائع ما يكون محرزا بحرز مثله كالموجود في مودع الحاكم وغيره من الأماكن المغلقة ولم يعرف مالكه، واللقطة ما وجد ضائعا بغير حرز. واشتراط الحرز فيه دونها إنما هو للغالب، وإلا فمنه ما لا يكون محرزا كما مر في إلقاء الهارب، ومنها ما يكون محرزا كما لو وجد درهما في أرض مملوكة أو في بيته ولا يدري أو هو له أو لمن دخل بيته، فعليه كما قال القفال أن يعرفه لمن يدخل بيته. وبغير حربي ما وجد بدار الحرب وليس بها مسلم فهو غنيمة يخمس وليس لقطة، وما خرج ببقية الحد واضح. ودخل فيه صحة التقاط الهدي، وفائدته جواز التصرف فيه بالنحر بعد التعريف والموقوف، وفائدته تملك منافعه بعد التعريف.
ويرد عليه ولد اللقطة فإنه ليس بضائع، والركاز الذي هو دفين الاسلام يصح لقطة وليس مالا ضائعا، والخمر غير المحترمة فيصح التقاطها ولا مال ولا اختصاص. وإنما ذكر المصنف اللقطة بعد الهبة لأن كلا منهما تمليك بلا عوض، وذكرهما في التنبيه بعد إحياء الموات لأن كلا منهما تمليك من الشارع، ولو ذكرت عقب القرض لكان مناسبا، لأنه يسلك بها مسلكه، والشرع أقرضه الملتقطة. والأصل فيها قبل الاجماع الآيات الآمرة بالبر والاحسان، إذ في أخذها للحفظ والرد بر وإحسان، وخبر الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني. أن النبي (ص) سئل عن لقطة الذهب أو الورق، فقال: أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرفها فاستنفقها ولتكن وديعة عند ك، فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه وإلا فشأنك بها، وسئل عن ضالة الإبل فقال، ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، وسئل عن الشاة فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب. وفي الالتقاط معنى الأمانة والولاية من حيث أن الملتقط أمين فيما التقطه والشرع ولاه حفظه كالولي في مال الطفل، وفيه معنى الاكتساب من حيث أن له التملك بعد التعريف، وهو المغلب لأنه مآل الامر.
وأركانها ثلاثة: التقاط وملتقط بكسر القاف وملتقط بفتحها. وقد شرع في الأول، فقال: (يستحب الالتقاط لواثق بأمانة نفسه) وهو ظاهر نص المختصر لما فيه من البر، وفي خبر مسلم: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429