أو تلف معه بتفريط طالبه لأنه صار ضامنا، وبطل حقه لزعمه استيفاءه. (وإن قال) المستحق عليه (أحلتك فقال) المستحق (وكلتني) أو قال: أردت بقولك أحلتك الوكالة، (صدق الثاني بيمينه) في الأولى جزما، لأن الأصل بقاء حقه. وفي الثانية في الأصح. ويظهر أثر فائدة هذا الخلاف عند إفلاس المحال عليه. وإذا حلف المستحق في الصورتين اندفعت الحوالة ويأخذ حقه من الآخر، ويرجع به الآخر على المحال عليه في أحد وجهين رجحه ابن المقري تبعا لاختيار ابن كج. فإن كان قد قبضه فله تملكه لحقه لأنه من جنس حقه، وإن تلف بلا تفريط لم يضمن لأنه وكيل وهو أمين أو بتفريط ضمن وتقاصا.
خاتمة: للمحتال أن يحيل غيره وأن يحتال من المحال عليه على مدينه. ولو أجر جندي إقطاعه وأحال ببعض الأجرة على المستأجر ثم مات تبين بطلان الإجارة فيما بعد موته من المدة وبطلان الحوالة فيما يقابله، وتصح الإجارة في المدة التي قبل موت المؤجر فتصح الحوالة بقدرها، ولا يرجع المحال عليه بما قبضه المحتال منه من ذلك ويبرأ المحيل منه. ولو أقرض شخص اثنين مائة مثلا على كل واحد منهما خمسون وتضامنا فأحال بها شخصا على أن يأخذ من أيهما شاء جاز في أصح الوجهين، وقيل: لا يجوز لأنه لم يكن له إلا مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة صفة، ووجه الأول أنه لا زيادة في القدر ولا في الصفة. قال الأسنوي: ولو أحال على أحدهما بخمسين فهل تنصرف إلى الأصلية أو توزع أو يرجع إلى إرادة المحيل فإن لم يرد شيئا صرفه بنيته؟ فيه نظر، وفائدته فكاك الرهن الذي يأخذه، أي بخمسين اه. والقياس كما قال شيخنا الرجوع إلى إرادته. ولو أقام بينة أن غريمه الدائن أحال عليه فلانا الغائب سمعت وسقطت مطالبته له، فإن لم يقم بينة صدق غريمه بيمينه. ولا يقضى بالبينة للغائب بأن تثبت بها الحوالة في حقه حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إن قدم في أحد وجهين رجحه ابن سريج، إذ لا يقضى بالبينة للغائب، والوجه الثاني: يقضى بها، وهو احتمال لابن الصباغ، لأنه إذا قدم يدعي على المحال عليه لا المحيل وهو مقر له، فلا حاجة إلى إقامة البينة.
باب الضمان:
هو لغة: الالتزام، وشرعا: يقال الالتزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة، ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك، ويسمى الملتزم لذلك ضامنا وضمينا وحميلا وزعيما وكافلا وكفيلا وصبيرا وقبيلا. قال الماوردي: غير أن العرف جار بأن الضمين مستعمل في الأموال، والحميل في الديات، والزعيم في الأموال العظام، والكفيل في النفوس، والصبير في الجميع. والأصل فيه قبل الاجماع أخبار كخبر: الزعيم غارم رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه، وخبر الصحيحين: أنه (ص) أتي بجنازة، فقال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، فقال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه. وذكرت في شرح التنبيه ما له بهذا الخبر تعلق، وإنما لم أستدل بقوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) * لأنه شرع من قبلنا، وهو ليس بشرع لنا على الصحيح وإن ورد في شرعنا ما يقرره خلافا لبعض المتأخرين. وأركان ضمان المال خمسة: ضامن، ومضمون له، ومضمون عنه، ومضمون به، وصيغة، وكلها تؤخذ من كلامه كما ستراه. وبدأ بشرط الضامن، فقال: (شرط الضامن) ليصح ضمانه (الرشد) وهو كما تقدم في باب الحجر صلاح الدين والمال لأن الضمان تصرف مالي، فلا يصح من مجنون وصبي ومحجور عليه بسفه لعدم رشدهم.
تنبيه: يرد على طرد هذه العبارة المكره والمكاتب إذا ضمن بغير إذن سيده والأخرس الذي لا تفهم إشارته