للتملك. ولو ضاع المغصوب من الغاصب فالتقطه إنسان جاهل بحاله، فإن أخذه للحفظ أو مطلقا فهو أمانة، وكذا إن أخذه للتملك ولم يتملك، فإن تملكه صارت يده يد ضمان. (ومتى أتلف الآخذ من الغاصب مستقلا به) أي الاتلاف، وهو من أهل الضمان، (فالقرار عليه مطلقا) أي سواء كانت يده يد ضمان أو أمانة، لأن الاتلاف أقوى من إثبات اليد العادية.
تنبيه: احترز بقوله: مستقلا عما إذا حمله الغاصب عليه، وفيه تفصيل، وهو إن كان لغرض الغاصب كذبح الشاة وطحن الحنطة فالقرار على الغاصب، أو لا لغرض كإتلاف المال فعلى المتلف لأنه حرام، أو لغرض المتلف فقد ذكره بقوله: (وإن حمله الغاصب عليه بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا) القرار على الآكل (في الأظهر) لأنه المتلف وإليه عادت المنفعة. والثاني: أن القرار على الغاصب لأنه غر الآكل. وعلى الأول لو قال هو ملكي فالقرار على الآكل أيضا فلا يرجع بما غرمه على الغاصب، لكن بهذه المقالة إن غرم الغاصب لم يرجع على الآكل لأن دعواه الملك اعتراف منه بأن المالك ظلمه بتغريمه، ولا يرجع على غير من ظلمه. وإذا قدمه لعبد ولو بإذن مالكه فالاكل جناية منه يباع فيها لتعلق موجبها برقبته، فلو غرم الغاصب رجع على قيمة العبد، بخلاف ما لو قدمه لبهيمة فأكلته وغرم الغاصب فإنه لا يرجع على المالك إن لم يأذن وإلا رجع عليه. (وعلى هذا) أي الأظهر في أكل الضيف، (لو قدمه) أي الغاصب (لمالكه) أو لم يقدمه له، (فأكله) جاهلا بأنه له (برئ الغاصب) لأنه باشر إتلاف ماله باختياره. وعلى الثاني لا يبرأ لجهل المالك به. أما إذا كان عالما بأنه له فإن الغاصب يبرأ قطعا.
تنبيه: إنما يبرأ الغاصب بذلك إذا لم يعد المغصوب هالكا كالهريسة، وإلا فلا يبرأ لأن الغاصب يملكه في هذه الحالة، فهو إنما أكل مال الغاصب فيلزم الغاصب البدل للمالك، ولهذا قال الزبيري: لو غصب سمنا وعسلا ودقيقا وصنعه حلوا وقدمه لمالكه فأكله لم يبرأ قطعا لأنه بالخلط صار كالتالف وانتقل الحق إلى القيمة، ولا تسقط عندنا ببذل غيرها إلا برضا مستحقها ولو مع العلم بذلك اه. ويبرأ الغاصب أيضا بإعارته أو بيعه أو إقراضه للمالك ولو جاهلا بأنه له، لأنه باشر أخذ ماله باختياره لا بإيداعه ورهنه وإجارته وتزويجه منه والقراض معه فيه جاهلا بأنه له لأن التسلط فيها غير تام، بخلاف ما إذا كان عالما. والتزويج شامل للذكر والأنثى، ومحله في الأنثى ما لم يستولدها، فإن استولدها - أي وتسلمها - برئ الغاصب. ولو قال الغاصب للمالك: أعتقه عني أو أعتقه عنك فأعتقه ولو جاهلا بأنه له عتق وبرئ الغاصب كما رجحه ابن المقري، وصرح به السبكي، ويقع العتق عن المالك لا عن الغاصب على الصحيح في أصل الروضة. والأوجه معنى كما قال شيخنا أنه يقع عن الغاصب، ويكون ذلك بيعا ضمنا إن ذكر عوضا وإلا فهبة بناء على صحة البيع فيما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا.
فصل: في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره: (تضمن نفس الرقيق) المغصوب (بقيمته) بالغة ما بلغت، ولو زادت على دية الحر كسائر الأموال (أتلف) بجناية (أو أتلف تحت يد عادية) بتخفيف الياء تأنيث عاد بمعنى متعد، لأنه مال متقوم فوجبت قيمته كسائر الأموال المتقومة.
تنبيه: لو قال: تحت يد ضامنة بدل عادية لكان أولى ليشمل المستام والمستعير وغيرهما ويخرج الحربي وعبد المالك، وقد يقال: إنه لما كان الباب معقودا للتعدي اختار التعبير بالعادية. (و) تضمن (أبعاضه التي لا يتقدر أرشها من الحر) كالبكارة وجرح البدن والهزال (بما نقص من قيمته) بالاجماع، تلف أو أتلف كما في سائر الحيوانات.