اختصاص المتحجر كما قاله الإمام وغيره، ولا هبته كما قاله الماوردي خلافا للدارمي، لأن حق التملك لا يباع ولا يوهب كحق الشفعة، ولكن له نقله إلى غيره وإيثاره به كإيثار بجلد الميتة قبل الدباغ، ويصير الثاني أحق به ويورث عنه.
والثاني: يصح بيعه، وبه قال أبو إسحاق، وكأنه يتبع حق الاختصاص كبيع علو البيت للبناء والسكنى دون أسفله. فإن قيل، ما استدركه المصنف مستدرك كما قيل، فإن عدم البيع مناسب لعدم الملك المفهوم من لفظ الأحقية. أجيب بأن قوله أحق وأعم فيصدق بالأحقية مع الملك فيقتضي صحة البيع، فلذلك دفعه بقوله: لكن إلخ.
تنبيه: قال الزركشي: والعجب من احتجاجهم لمنع البيع بحق الشفعة مع أن أبا إسحاق يخالف فيه أيضا، وكذلك في مقاعد الأسواق، وهل يجري خلافه في المساجد والريط ونحوها؟ الظاهر المنع فيمتنع الاعتياض عنها قطعا لأنها عين ولا منفعة كما قطعوا به في امتناع العوض على حق القسم، ويشبه أن يكون النزول عن الوظائف مثله لأنه ملك أن ينتفع بها لا المنفعة اه. (و) الأصح (أنه لو أحياه) شخص (آخر ملكه) وإن عصى بذلك، كما لو دخل في سوم أخيه واشترى. والثاني: لا يملكه لئلا يبطل حق غيره.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يعرض عن العمارة، فإن أعرض عنها ملكه المحيي قطعا. قال الرافعي: والخلاف في هذه المسألة شبيه بما إذا عشش الطائر في ملكه وأخذ الفرح غيره هل يملكه، وكذا لو توحل طير في أرضه أو وقع الثلج فيها ونحو ذلك اه.
وقد وقع في ذلك اضطراب، وسيأتي تحريره إن شاء الله تعالى في آخر الوليمة. (ولو طالت مدة التحجر) ولم يحي ويرجع في طولها للعرف، (قال له السلطان) أو نائبه: (أحي أو اترك) ما تحجرته. لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فمنع منه كما لو وقف في شارع. (فإن استمهل) المتحجر (أمهل مدة قريبة) يستعد فيها للعمارة وتقديرها إلى رأي الإمام، وقيل: تقدر بثلاثة أيام، وقيل: بعشرة أيام. فإذا مضت المدة ولم يعمر بطل حقه من غير رفع إلى سلطان. وقضية هذا أنه لا يبطل حقه بمضي المدة بلا مهلة، وهو ما بحثه الشيخ أبو حامد، لكنه خلاف منقوله الذي جزم به الإمام من أنه يبطل بذلك لأن التحجر ذريعة إلى العمارة، وهي لا تؤخر عنه إلا بقدر أسبابها، ولهذا لا يصح تحجر من لا يقدر على تهيئة لأسباب كمن تحجر ليعمر في قابل، وكفقير تحجر إذا قدر فوجب إذا أخر وطال الزمان أن يعود مواتا كما كان.
وقال السبكي: ينبغي إذا عرف الإمام أنه لا عذر له في تطويل المدة انتزعها منه في الحال، وكذا إن لم تطل المدة وعلم أنه معرض عن العمارة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في طلب الامهال بين أن يكون يعذر أو بغيره، وبه صرح الروياني، وهو خلاف قضية كلام الروضة وأصلها فإنهما قالا: فإن ذكر عذرا أو استمهل أمهل مدة قريبة اه. وهذا هو الظاهر كما يؤخذ من كلام السبكي السابق. (ولو أقطعه الإمام مواتا) لا لتمليك رقبته، (صار) بمجرد الاقطاع (أحق بإحيائه) من غيره، يعني مستحقا له دون غيره. (كالمتحجر) لتظهر فائدة الاقطاع. ولو قال المصنف، صار كالمتحجر لكان أخصر وأشمل ليأتي فيه سائر أحكام التحجر. لكن يستثنى هنا كما قال الزركشي ما أقطعه النبي (ص) فلا يملكه الغير بإحيائه قياسا على أنه لا ينقض ما حماه، أما إذا أقطعه لتمليك رقبته فيملكه كما ذكره المصنف في مجموعه في باب الركاز. والأصل في الاقطاع خبر الصحيحين: أنه (ص) أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير، وخبر الترمذي وصححه: أنه (ص) أقطع وائل بن حجر أرضا بحضرموت.
تنبيه: هل يلحق المندرس الضائع بالموات في جواز الاقطاع؟ فيه وجهان أصحهما في البحر نعم، بخلاف الاحياء.
فإن قيل: هذا ينافي ما مر من جعله كالمال الضائع. أجيب بأن المشبه لا يعطي حكم المشبه به في جميع الوجوه، والحاصل أن هذا مقيد لذاك. وأما إقطاع العامر فعلى قسمين: إقطاع تمليك، وإقطاع استغلال، والأول أن يقطع الإمام ملكا أحياه بالاجراء والوكلاء أو اشتراه أو وكيله في الذمة فيملكه المقطع بالقبول والقبض إن أبدا أو أقت بعمر المقطع، وهو