أحياه محي بإذن الإمام ملكه وكان الاذن منه نقضا، وليس له أن يجيبه بغير إذنه لما فيه من الاعتراض على تصرف الإمام وحكمه. أما ما حماه (ص) فليس لأحد من الأئمة نقضه، لأنه نص عليه فلا ينقض ولا يغير بحال ولو استغني عنه، فمن زرع فيه أو غرس أو بنى قلع. وحكى صاحب الرونق قولا وصححه أنه لا يجوز نقض ما حماه الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم. قال السبكي: وهذا غريب لكنه مليح فإن فعلهم أعلى من فعل كل إمام بعدهم. (ولا يحمي) الإمام (لنفسه) قطعا، لأن ذلك من خصائصه (ص)، ولم يقع ذلك منه، وعليه يحمل خبر البخاري السابق الذي استدل به القول المرجوح. وخرج بالإمام ونائبه غيرهما، فليس له أن يحمي. وليس للإمام أن يدخل مواشيه ما حماه للمسلمين لأنه من الأقوياء، ويندب له ولنائبه أن ينصب أمينا يدخل فيه دواب الضعفاء ويمنع منه إدخال دواب الأقوياء، فإن رعاه قوي منع منه ولا يغرم شيئا. قال في الروضة: وليس هذا مخالفا لما ذكرناه في الحج أن من أتلف شيئا من نبات النقيع ضمنه على الأصح، لأن ما هنا في الرعي فهو من جنس ما أحمي له، وما هناك في الاتلاف بغيره. ولا يعزر أيضا، قال ابن الرفعة: ولعله فيمن جهل التحريم وإلا فلا ريب في التعزير اه. ولعلهم سامحوا في ذلك كما سامحوا في الغرم.
فصل: في حكم المنافع المشتركة: (منفعة الشارع) الأصلية (المرور) فيه لأنه وضع لذلك. وتقدمت هذه المسألة في الصلح، وعبر المصنف هناك عن الشارع بالطريق النافذ، وذكرت هنا توطئة لما بعدها. وخرج بالأصلية المنفعة بطريق التبع المشار إليها بقوله: (ويجوز الجلوس به) ولو في وسطه (لاستراحة ومعاملة ونحوهما) كانتظار رفيق وسؤال، وله الوقوف فيه أيضا. قال ابن الصباغ: وللإمام مطالبة الواقف بقضاء حاجته أو الانصراف. هذا كله (إذا لم يضيق على المارة) فيه، لقوله (ص): لا ضرر ولا ضرار في الاسلام. (ولا يشترط) للجلوس في الشارع (إذن الإمام) لاطباق الناس عليه من غير نكير.
تنبيه: شمل إطلاقه الذمي، وفي ثبوت هذا الارتفاق له وجهان: أوجههما كما قال ابن الرفعة وتبعه السبكي الثبوت وإن لم يأذن الإمام. وليس للإمام ولا لغيره من الولاة أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس في الشارع ولو لبيع ونحوه عوضا قطعا، قاله في زيادة الروضة. قال السبكي: وقد رأينا في هذا الزمان من وكلاء بيت المال من يبيع من الشارع ما يقول إنه يفضل عن حاجة المسلمين، وهذا لا يقتضيه قول أحد لأن البيع يستدعي تقدم الملك، ولو جاز ذلك لجاز بيع الموات، ولا قائل به. قال ابن الرفعة: وفاعل ذلك لا أدري بأي وجه يلقى الله تعالى. قال الأذرعي: وفي معنى ذلك الرحاب الواسعة بين الدور في المدن، فإنها من المرافق العامة كما صرح به في البحر. وقد نقل في الشامل الاجماع على منع إقطاع المرافق العامة، وللإمام أن يقطع بقعة ارتفاقا لا بعوض ولا تمليكا فيصير المقطع أحق به كالمتحجر، ولا يجوز لاحد تملكه بالاحياء. ويجوز الارتفاق أيضا بغير الشارع كالصحاري لنزول المسافرين إن لم يضر النزول بالمارة.
وأما الارتفاق بأفنية المنازل في الاملاك، فإن أضر ذلك بأصحابها منعوا من الجلوس فيها إلا بإذنهم، وإلا فإن كان الجلوس على عتبة الدار لم يجز إلا بإذن مالكها، وله أن يقيمه ويجلس غيره. ولا يجوز أخذ أجرة على الجلوس في فناء الدار، ولو كانت الدار لمحجور عليه لم يجز لوليه أن يأذن فيه، وحكم فناء المسجد كفناء الدار. (وله) أي الجالس في الشارع (تظليل مقعده) أي موضع قعوده في الشارع (ببارية) بتشديد التحتانية كما في الدقائق وحكي تخفيفها:
نوع ينسج من قصب كالحصير. (وغيرها) مما لا يضر بالمارة كثوب وعباءة لجريان العادة به، فإن كان مثبتا ببناء لم يجز كبناء الدكة. وله وضع سرير في أحد احتمالين لصاحب الكافي يظهر ترجيحه، ويختص الجالس بمكانه ومكان متاعه ومعامليه، وليس لغيره أن يضيق عليه في المارة بحيث يضر به في الكيل والوزن والاخذ والعطاء، فله أن