خيف هربه استوثق عليه القاضي على حسب ما يراه، ولان العمل مقصود بالاستحقاق في نفسه بخلاف الحبس ليس مقصودا في نفسه بل يتوصل به إلى غيره، ذكره في الروضة في باب الإجارة عن فتاوى الغزالي وأقره. قال السبكي:
وعلى قياسه لو استعدى على من استؤجر عينه وكان حضوره للتحاكم يعطل حق المستأجر ينبغي أن لا يحضر، ولا يعترض باتفاق الأصحاب على إحضار المرأة البرزة وحبسها وإن كانت مزوجة لأن للإجارة أمدا ينتظر. ويؤخذ مما قاله أنا الموصي بمنفعته كالمستأجر إن أوصى بها مدة معينة وإلا فكالزوجة.
فروع: لا يحبس المريض ولا المخدرة ولا ابن السبيل بل يوكل بهم، ولا الصبي ولا المجنون ولا أبو الطفل والوكيل والقيم في دين لم يجب بمعاملتهم، وتحبس الامناء في دين وجب بمعاملتهم. ولا يحبس العبد الجاني ولا سيده ليؤدي أو يبيع، بل يباع عليه إذا وجد راغب وامتنع من البيع والفداء، وعلى الموسر الأداء فورا بحسب الامكان إن طولب لقوله (ص): مطل الغني ظلم إذ لا يقال مطله إلا إذا طالبه فدافعه. فإن امتنع أمره الحاكم به. فإن امتنع وله مال ظاهر وهو من جنس الدين وفى منه، أو من غيره باع الحاكم عليه ماله وإن كان المال في غير محل ولايته كما صرح به القاضي والقمولي أو أكرهه مع التعزير بحبس أو غيره على البيع، أما قبل المطالبة فلا يجب الأداء وإن كان سبب الدين معصية. ولا ينافيه الوجوب في هذه الحالة للخروج من المعصية، لأن الكلام في الوجوب للحلول. ولو التمس غريم الممتنع من الأداء الحجر عليه في مال أجيب لئلا يتلف ماله، فإن أخفاه وهو معلوم وطلب غريمه حبسه حبس وحجر عليه أولا حتى يظهره، فإن لم ينزجر بالحبس ورأي الحاكم ضربه أو غيره فعل ذلك وإن زاد مجموعه على الحد، ولا يعزره ثانيا حتى يبرأ من الأول. ولصاحب الدين الحال ولو ذميا منع المديون الموسر بالطلب من السفر المخوف وغيره بأن يشغله عنه برفعه إلى الحاكم ومطالبته حتى يوفيه دينه، لأن أداءه فرض عين بخلاف السفر. نعم إن استناب من يوفيه من مال الحاضر فليس له منعه، أما صاحب المؤجل فليس له منعه من السفر، ولو كان مخوفا كجهاد أو الاجل قريبا إذ لا مطالبة به في الحال. ولا يكلف من عليه المؤجل رهنا ولا كفيلا ولا إشهادا لأن صاحبه هو المقصر حيث رضي بالتأجيل من غير رهن وكفيل، وله السفر صحبته ليطالبه عند حلوله بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب، لأن فيه إضرارا به.
(والغريب العاجز عن بينة الاعسار يوكل القاضي به) وجوبا، (من يبحث) أي اثنان يبحثان بقدر الطاقة، (عن حاله، فإذا غلب على ظنه إعساره شهد به) لئلا يخلد في الحبس. وظاهر كلام المصنف أنه لا يحبس بل يوكل به في الابتداء، وكلام الشرح والروضة في فصل التزكية يقتضيه، لكن ظاهر كلامهما هنا أنه يفعل ذلك معه وهو في الحبس، ويدل لهذا التعليل المذكور. ولا يأثم المحبوس المعسر بترك الجمعة لأنه معذور، وللقاضي منع المحبوس منها إن اقتضته المصلحة، ومن الاستمتاع بالزوجة ومحادثة الأصدقاء لا من دخولها لحاجة كحمل طعام، وله منعه من شم الرياحين للترفه إلا لحاجة كمرض لا منعه من عمل صنعة في الحبس، وإن كان مماطلا. ونفقته واجبة على نفسه، وعليه أجرة الحبس لأنها أجرة المكان. ولو حبست امرأة في دين قال ابن المقري تبعا لاصله لم يأذن فيه الزوج، سقطت نفقتها مدة الحبس ولو ثبت الدين ببينة كما لو وطئت بشبهة واعتدت فإنها تسقط وإن كانت معذورة. ومفهوم ذلك أنه لو أذن لها في الاستدانة لم تسقط نفقتها، والأوجه كما قال شيخنا تبعا للأذرعي أنها لا نفقة لها، كما لو أذن لها في الحج ولم يخرج معها فإنه لا نفقة لها. ولو لزمه حق آخر حبس بهما ولم يطلق بقضاء أحدهما دون الآخر. ويخرج المحبوس من الحبس لسماع الدعوى عليه، ويخرج المجنون من الحبس مطلقا والمريض إن لم يجد ممرضا فإن وجده فلا، وإن كان لا يحبس ابتداء. ومن ثبت إعساره أخرج ولو بغير إذن الغريم لزوال المقتضى.
فصل: في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه: (من باع ولم يقبض الثمن حتى حجر على