فصل: فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه: إذا لم يقر اللقيط برق فهو حر) لأن الغالب في الناس الحرية، وحكى ابن المنذر فيه الاجماع، لكن قال الشافعي: لو قذفه قاذف لم أحده حتى أسأله، فإن قال أنا حر حددت قاذفه.
وقال البلقيني: لو وجد في دار الحرب ولا مسلم فيه ولا ذمي فهو رقيق كسائر صبيانهم ونسائهم، ويحمل كلامهم على دار الاسلام، قال: ولم أر من تعرض له انتهى. وهو ظاهر المعنى. وعلى هذا فتستثنى هاتان الصورتان من كلام المصنف مضافتين إلى قوله: (إلا أن يقيم أحد بينة برقه) وتتعرض لسبب الملك كما سيأتي فيعمل بها. (وإن أقر) اللقيط المكلف (به) أي الرق (لشخص فصدقه قبل إن لم يسبق) منه (إقرار بحرية) كسائر الأقارير. وخرج بصدقه ما لو كذبه فإن الرق لا يثبت ولو صدقه بعد ذلك، ولم يسبق ما لو سبق إقراره بحرية بعد البلوغ فلا يقبل إقراره بعده على الأصح المنصوص، لأنه بالاقرار الأول التزم أحكام الأحرار فلا يملك إسقاطها. فإن قيل: لو أنكرت المرأة الرجعة ثم أقرت بها فإنها تقبل، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن دعواها الرجعة مستندة إلى أصل وهو عدم انقضاء العدة، وجعل الشارع القول قولها في انقضاء العدة إثباتا وقد اعترفت بالخيانة، وإقرار اللقيط مخالف للأصل وهو الحرية وقد تأكد بالاقرار بالحرية. فإن قيل: يرد على المصنف ما لو أقر بالرق لزيد فكذبه فأقر به لعمرو فإنه لا يقبل إقراره ولو صدقه عمرو، وهذا لم يسبق منه إقرار بحرية. أجيب بأن إقراره الأول يتضمن نفي الملك لغيره، فإذا كذبه المقر له خرج عن كونه مملوكا له أيضا فصار حر الأصل، والحرية مظنة حقوق الله تعالى والعبادة فلا سبيل إلى إبطالها بالاقرار الثاني.
تنبيه: سكتوا عن اعتبار الرشد هنا في المقر، وينبغي كما قال الزركشي اعتباره كغيره من الأقارير فلا يقبل اعتراف الجواري بالرق كما حكي عن ابن عبد السلام، لأن الغالب عليهن السفه وعدم المعرفة. قال الأذرعي: وهذه العلة موجودة في غالب العبيد، لا سيما من قرب عهده بالبلوغ. (والمذهب أنه لا يشترط) في صحة الاقرار بالرق (أن لا يسبق) منه (تصرف يقتضي نفوذه) بمعجمة بخطه، (حرية كبيع ونكاح) وغيرهما، (بل) بعد التصرف بشئ من المذكورات (يقبل إقراره في أصل الرق و) في (أحكامه المستقبلة) مطلقا فيما له وعليه. أما فيما له فقياسا على إقرار المرأة بالنكاح فإنه يصح على الجديد وإن تضمن ثبوت حق لها. وأما فيما عليه فلانه أقر بحق عليه فيؤاخذ به كسائر الأقارير. وفي قول من الطريق الثاني: لا يقبل فتبقى أحكام الحرية. (لا) الأحكام (الماضية المضرة بغيرها) فلا يقبل إقراره بالنسبة إليها (في الأظهر) كما لا يقبل إقراره على الغير بدين ونحوه. والثاني: يقبل، لأنه لا يتجزأ ويصير كقيام البينة. وفرع المصنف على الأظهر قوله: (فلو لزمه) أي اللقيط (دين فأقر برق) أو ادعى شخص رقه (وفي يده مال قضي) الدين (منه) ولا يجعل للمقر له إلا ما فضل عن الدين، فإن بقي من الدين شئ اتبع به بعد عتقه ولا يقضي منه على الثاني، بل المال للمقر له ويبقى الدين في ذمة المقر، أما الأحكام الماضية المضرة به فيقبل إقراره بالنسبة إليها جزما.
تنبيه: لو نكح ثم أقر بالرق فإن كان أنثى لم ينفسخ النكاح بل يستمر ويصير كالمستوفي المقبوض، لأن انفساخه يضر الزوج فيما مضى سواء أكان الزوج ممن يحل له نكاح الأمة أم لا كالحر إذا وجد الطول بعد نكاح الأمة، لكن للزوج الخيار في فسخ النكاح إن شرطت الحرية فيه لفوات الشرط، فإن فسخ بعد الدخول بها لزمه للمقر له لأقل من المسمى ومهر المثل لأن الزائد منهما يضر الزوج، وإن أجاز لزمه المسمى لأنه الذي لزمه بزعمه وإن كان قد سلمه إليها أجزأه، فلو طلقها قبل الدخول سقط المسمى، لأن المقر له يزعم فساد النكاح وتسلم إلى الزوج تسليم