البحر. (والصحيح) وحكي عن النص، (أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث) لأن تعلقه بها لا يزيد على تعلق حق المرتهن بالمرهون والمجني عليه بالجاني، وذلك لا يمنع الإرث فكذا هذا. والثاني: يمنع، لقوله تعالى: * (من بعد وصية يوصى بها أو دين) *، أي من بعد إعطاء وصية أو إيفاء دين إن كان، حيث قدم الدين على الميراث. وأجيب بأن تقديمه عليه لقسمة لا يقتضي أن يكون مانعا منه، وإذا كان الدين لا يمنع الإرث (فلا يتعلق بزوائد التركة ككسب ونتاج) لأنها حدثت في ملك الوارث، أما على المنع فيتعلق بها تبعا لأصلها.
خاتمة: قال السبكي رحمه الله تعالى: قد غلط جماعة من المفتين في زماننا في فرع، وهو إذا كان الدين على الميت للوارث فظنوا أنه يسقط منه بقدر إرثه حتى إذا كان حائزا سقط الجميع، والصواب أنه يسقط منه ما يلزمه أداؤه لو كان لأجنبي، وهو نسبة إرثه من الدين إن كان مساويا للتركة أو أقل وما يلزم الوارث أداؤه إن كان أكثر، ويستقر له نظيره في الميراث ويقدر أنه أخذ منه ثم أعيد إليه عن الدين، وهذا سبب سقوطه وبراءة ذمة الميت منه، ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه وعلى قدر حصصهم، وقد يفضي الامر إلى التقاص إن كان الدين لوارثين.
كتاب التفليس هو لغة النداء على المفلس وشهرته بصفة الافلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الأموال. وشرعا: جعل الحاكم المديون مفلسا بمنعه من التصرف في ماله. والأصل فيه ما رواه الدارقطني وصحح الحاكم إسناده أن النبي (ص) حجر على معاذ وباع ماله في دين كان عليه وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال لهم النبي (ص) : ليس لكم إلا ذلك. والمفلس في العرف من لا مال له، وفي الشرع من لا يفي ماله بدينه كما قال ذاكر الحكمة: (من عليه ديون) لآدمي لازمة (حالة زائدة على ماله يحجر عليه) وجوبا في ماله إن استقل، أو على وليه في مال موليه إن لم يستقل، (بسؤال الغرماء) ولو بنوا بهم كأوليائهم لأن الحجر لحقهم. وفي النهاية أن الحجر كان على معاذ بسؤال الغرماء، فلا حجر بدين الله تعالى وإن كان فوريا كما قاله الأسنوي، خلافا لما بحثه بعض المتأخرين، ولا بدين غير لازم كنجوم كتابة لتمكن المدين من إسقاطه. (ولا حجر بالمؤجل) لأنه لا يطالب به في الحال.
تنبيه: لا يخفى أن لفظ الديون لا مفهوم له، فإن الدين الواحد إذا زاد على المال كان كذلك، وكذا قوله: الغرماء.
ولا بد من تقييد الدين باللازم كما قدرته في كلامه ليخرج دين الكتابة كما مر، وما ألحق به من ديون المعاملة التي على المكاتب لسيده، وقضية كلامه أنه حجر عليه إذا لم يكن له مال، وتوقف فيه الرافعي فقال: يجوز منعا له من التصرف فيما عسى أن يحدث باصطياد ونحوه، وهو كما قاله ابن الرفعة مخالف للنص والقياس، إذ ما يحدث له إنما يحجر عليه فيه تبعا للموجود، وما جاز تبعا لا يجوز قصدا، ولا يحجر على المفلس إلا الحاكم، لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد . وأما أصل الحجر فلان فيه مصلحة للغرماء، فقد يختص بعضهم بالوفاء فيضر الباقين، وقد يتصرف فيه فيضيع حق الجميع. قال ابن الرفعة: وهل يكفي في لفظ الحجر منع التصرف، أو يعتبر أن يقول حجرت بالفلس، إذ منع التصرف من أحكام الحجر فلا يقع به الحجر؟ وجهان، أوجههما كما قال شيخي الأول. قال في الروضة: ويجب على الحاكم الحجر إذا وجدت شروطه: أي سواء أكان بسؤال الغرماء أو المفلس. قال: وقول كثير من أصحابنا فللقاضي الحجر ليس مرادهم أنه مخير فيه، أي بل إنه جاز بعد امتناعه قبل الافلاس وهو صادق بالواجب. وقول السبكي: هذا ظاهر إذا تعذر البيع حالا، وإلا فينبغي عدم وجوبه لأنه ضرر بلا فائدة ممنوع كما قاله شيخنا، بل له فوائد منها المنع من التصرف