مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ١٤٦
البحر. (والصحيح) وحكي عن النص، (أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث) لأن تعلقه بها لا يزيد على تعلق حق المرتهن بالمرهون والمجني عليه بالجاني، وذلك لا يمنع الإرث فكذا هذا. والثاني: يمنع، لقوله تعالى: * (من بعد وصية يوصى بها أو دين) *، أي من بعد إعطاء وصية أو إيفاء دين إن كان، حيث قدم الدين على الميراث. وأجيب بأن تقديمه عليه لقسمة لا يقتضي أن يكون مانعا منه، وإذا كان الدين لا يمنع الإرث (فلا يتعلق بزوائد التركة ككسب ونتاج) لأنها حدثت في ملك الوارث، أما على المنع فيتعلق بها تبعا لأصلها.
خاتمة: قال السبكي رحمه الله تعالى: قد غلط جماعة من المفتين في زماننا في فرع، وهو إذا كان الدين على الميت للوارث فظنوا أنه يسقط منه بقدر إرثه حتى إذا كان حائزا سقط الجميع، والصواب أنه يسقط منه ما يلزمه أداؤه لو كان لأجنبي، وهو نسبة إرثه من الدين إن كان مساويا للتركة أو أقل وما يلزم الوارث أداؤه إن كان أكثر، ويستقر له نظيره في الميراث ويقدر أنه أخذ منه ثم أعيد إليه عن الدين، وهذا سبب سقوطه وبراءة ذمة الميت منه، ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه وعلى قدر حصصهم، وقد يفضي الامر إلى التقاص إن كان الدين لوارثين.
كتاب التفليس هو لغة النداء على المفلس وشهرته بصفة الافلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الأموال. وشرعا: جعل الحاكم المديون مفلسا بمنعه من التصرف في ماله. والأصل فيه ما رواه الدارقطني وصحح الحاكم إسناده أن النبي (ص) حجر على معاذ وباع ماله في دين كان عليه وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال لهم النبي (ص) : ليس لكم إلا ذلك. والمفلس في العرف من لا مال له، وفي الشرع من لا يفي ماله بدينه كما قال ذاكر الحكمة: (من عليه ديون) لآدمي لازمة (حالة زائدة على ماله يحجر عليه) وجوبا في ماله إن استقل، أو على وليه في مال موليه إن لم يستقل، (بسؤال الغرماء) ولو بنوا بهم كأوليائهم لأن الحجر لحقهم. وفي النهاية أن الحجر كان على معاذ بسؤال الغرماء، فلا حجر بدين الله تعالى وإن كان فوريا كما قاله الأسنوي، خلافا لما بحثه بعض المتأخرين، ولا بدين غير لازم كنجوم كتابة لتمكن المدين من إسقاطه. (ولا حجر بالمؤجل) لأنه لا يطالب به في الحال.
تنبيه: لا يخفى أن لفظ الديون لا مفهوم له، فإن الدين الواحد إذا زاد على المال كان كذلك، وكذا قوله: الغرماء.
ولا بد من تقييد الدين باللازم كما قدرته في كلامه ليخرج دين الكتابة كما مر، وما ألحق به من ديون المعاملة التي على المكاتب لسيده، وقضية كلامه أنه حجر عليه إذا لم يكن له مال، وتوقف فيه الرافعي فقال: يجوز منعا له من التصرف فيما عسى أن يحدث باصطياد ونحوه، وهو كما قاله ابن الرفعة مخالف للنص والقياس، إذ ما يحدث له إنما يحجر عليه فيه تبعا للموجود، وما جاز تبعا لا يجوز قصدا، ولا يحجر على المفلس إلا الحاكم، لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد . وأما أصل الحجر فلان فيه مصلحة للغرماء، فقد يختص بعضهم بالوفاء فيضر الباقين، وقد يتصرف فيه فيضيع حق الجميع. قال ابن الرفعة: وهل يكفي في لفظ الحجر منع التصرف، أو يعتبر أن يقول حجرت بالفلس، إذ منع التصرف من أحكام الحجر فلا يقع به الحجر؟ وجهان، أوجههما كما قال شيخي الأول. قال في الروضة: ويجب على الحاكم الحجر إذا وجدت شروطه: أي سواء أكان بسؤال الغرماء أو المفلس. قال: وقول كثير من أصحابنا فللقاضي الحجر ليس مرادهم أنه مخير فيه، أي بل إنه جاز بعد امتناعه قبل الافلاس وهو صادق بالواجب. وقول السبكي: هذا ظاهر إذا تعذر البيع حالا، وإلا فينبغي عدم وجوبه لأنه ضرر بلا فائدة ممنوع كما قاله شيخنا، بل له فوائد منها المنع من التصرف
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429