في غيبة الأصيل وكذبه) لأن الأصيل عدم الأداء وهو مقصر بعدم الاشهاد. (وكذا إن صدقه في الأصح) لأنه لم ينتفع بأدائه لأن المطالبة باقية. والثاني: يرجع لاعترافه بأنه أبرأ ذمته بإذنه. ومحل الخلاف إذا لم يأمره الأصيل بالاشهاد أو بتركه، فإن أمره به لم يرجع جزما، أو بتركه رجع جزما كما قاله الدارمي. ولو لم يشهد ثم أدى ثانيا وأشهد هل يرجع بالأول لأنه المبرئ للذمة أو بالثاني لأنه المسقط للضمان؟ فيه وجهان تظهر فائدتهما فيما لو كان أحدهما صحاحا والآخر مكسرا مثلا، قال في الروضة: ينبغي أن يرجع بأقلهما، فإن كان الأول فهو بزعمه مظلوم بالثاني، وإن كان الثاني فهو المبرئ لكونه أشهد به، والأصل براءة ذمة الأصيل من الزائد. (فإن صدقه المضمون له) وكذبه المضمون عنه ولا بينة، (أو أدى بحضرة الأصيل) مع تكذيب المضمون له، (رجع على المذهب) أي الراجح من الوجهين في المسألتين لسقوط الطلب في الأول وعلم الأصيل بالأداء في الثانية. والثاني: في الأولى يقول تصديق رب الدين ليس حجة على الأصيل وتصديق ورثة رب الدين المطلقين التصرف كتصديقه. وهل تصديق الامام حيث يكون لبيت المال كتصديق الوارث الخاص أو تصديق غرماء من مات مفلسا كتصديق رب الدين؟ قال الأذرعي: لم أر فيه شيئا وهو موضع تأمل اه. والظاهر كما قاله بعض المتأخرين عدم الالحاق لأن المال لغيره، وفي الثانية يقول لم ينتفع الأصيل بالأداء لترك الاشهاد. وأجيب بأنه المقصود بترك الاشهاد، وهذا ظاهر إذا لم يشرط عليه الاشهاد، فإن شرطه عليه فيظهر أنه لا يرجع لعدم توفيته بالشرط. ويقاس بما ذكر في الضامن المؤدي في الأحوال المذكورة.
خاتمة: لو قال: أشهدت بالأداء شهودا وماتوا أو غابوا أو طرأ فسقهم فكذبه الأصيل في الاشهاد، فالقول قول الأصيل بيمينه، لأن الأصل عدم براءة ذمته وعدم الاشهاد، وإن كذبه الشهود فكما لم لو يشهد. فإن قيل: لو أقرت امرأة بنكاح بحضرة شاهدين فكذباها لا يقدح في إقرارها فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنها ثم لو أقرت بحق عليها فلم يلغ بإنكارهما، وهذا هنا يريد أن يثبت له حقا. ولو قال الشهود: لا ندري وربما نسينا، لا رجوع كما رجحه الامام وجعله أولى بذلك من دعواه موت الشاهد. ولو باع من اثنين شيئا وشرط أن يكون كل منهما ضامنا للآخر بطل البيع، قال السبكي: ورأيت ابن الرفعة في حسبته يمنع أهل سوق الرقيق من البيع مسلما، ومعناه إلزام المشتري بما يلحق البائع من الدلالة وغيرها، قال:
ولعله أخذه من هذه المسألة ولا يختص ذلك بالرقيق. وهذا إن كان مجهولا فإن كان معلوما فلا، وكأنه جعله جزءا من الثمن، بخلاف مسألة ضمان أحد المشتريين للآخر لا يمكن فيها ذلك. قال الأذرعي: لكنه هنا شرط عليه أمرا آخر، وهو أن يدفع كذا إلى جهة كذا فينبغي أن يكون مبطلا مطلقا اه. وهذا هو الظاهر.
كتاب الشركة بكسر الشين وسكون الراء، وحكي فتح الشين وسكون الراء وكسرها، وشرك بلا هاء. قال تعالى: * (وما لهم فيهما من شرك) * أي نصيب. وهي لغة: الاختلاط، وشرعا: ثبوت الحق في شئ لاثنين فأكثر على جهة الشيوع. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (واعلموا إنما غنمتم من شئ) * الآية، وخبر السائب بن زيد كان شريك النبي (ص) قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث، وخبر: يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما رواه أبو داود والحاكم وصحح إسنادهما. والمعنى: أنا معهما بالحفظ والإعانة، فأمدهما بالمعونة في أموالهما، وأنزل البركة في تجارتهما، فإذا وقعت بينهما الخيانة رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو معنى خرجت من بينهما. ومقصود الباب شركة تحدث بالاختيار بقصد التصرف وتحصيل الربح، وليست عقدا مستقلا