مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ١٢٦
الذمة مع يسار الأصيل وإعساره. (ثم يرجع المالك) على الراهن (بما بيع به) المرهون لانتفاع الراهن به في دينه، سواء بيع بقيمته أم بأكثر أم أقل بقدر يتغابن الناس بمثله. هذا على قول الضمان، وأما على قول العارية فيرجع بقيمته إن بيع بها أو بأقل، كذا بأكثر عند الأكثرين لأن العارية بها تضمن. وقال القاضي أبو الطيب وجماعة: يرجع بما بيع به لأنه ثمن ملكه، قال الرافعي: وهذا أحسن. زاد في الروضة: هذا هو الصواب. وإن قضى من جهة الراهن انفك الرهن ورجع المالك في عين ماله، فإن قضاه المالك انفك الرهن ورجع بما دفعه على الراهن إن قضى بإذنه وإلا فلا رجوع له كما لو أدى دين غيره في غير ذلك. فإن قيل: الرهن بالاذن كالضمان به فيرجع وإن قضى بغير الاذن أيضا. أجيب بأن محل ذلك إذا قضى من ثمن المرهون كما مر، أما إذا قضى من غيره كما هنا فلا.
وحاصله قصر الرجوع فيهما على محل الضمان، وهو هنا رقبة المرهون وثم ذمة الضامن، فإن أنكر الراهن الاذن فشهد به المرتهن للمعير قبل لعدم التهمة ويصدق الراهن في عدم الإذن لأن الأصل عدمه. ولو رهن شخص شيئا من ماله عن غيره يأذنه صح ويرجع عليه إن بيع بما بيع به أو بغير إذنه صح ولم يرجع عليه بشئ كنظيره في الضمان فيهما. ولو قال المديون لغيره: أرهن عبدك مثلا بديني من فلان، فرهنه فهو كما لو قبضه ورهنه. ثم شرع في الركن الرابع وهو المرهون به مترجما بفصل، فقال:
فصل: شرط المرهون به كونه دينا: فلا يصح الرهن بالعين مضمونة كانت كالمغصوب كما سيأتي، أو أمانة كالمودوع ومال القراض، لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة فلا يثبت في غيرها، ولأنها لا تستوفي من ثمن المرهون وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع. ومن هنا يؤخذ بطلان ما جر ت به عادة بعض الناس من كونه يقف كتابا. وبشرط أن لا يعار أو لا يخرج من مكان يحبسه فيه إلا برهن، وبه صرح الماوردي وإن أفتى القفال بخلافه. وبحث السبكي بحثا حسنا، وهو أن الواقف إن عنى الوقف الشرعي لم يصح، أو اللغوي وهو أن يكون المرهون تذكرة صح، وإن لم يعرف له إرادة فالأقرب صحته ويحمل على الثاني تصحيحا للكلام ما أمكن. واعترض الزركشي قوله: إن الأقرب صحته، وحمله على اللغوي بأن الأحكام الشرعية لا تتبع اللغة إذ كيف يحكم بالصحة مع أنه لا يجوز له حبسه شرعا، وأي فائدة في الصحة حينئذ؟ اه‍. وضعف بعضهم ما أفتى به القفال بأن الراهن أحد المستحقين والراهن لا يكون مستحقا، إذ المقصود بالرهن الوفاء من ثم المرهون عند التلف، وهذا الموقوف لو تلف بغير تعد ولا تفريط لم يضمن، وعلى إلغاء الشرط لا يجوز إخراجه برهن لتعذره ولا بغيره فكأنه قال لا يخرج مطلقا. نعم إن تعسر الانتفاع به في المحل الموقوف فيه ووثق بمن ينتفع به فيغير ذلك المحل أنه يرده إلى محله بعد قضاء حاجته جاز إخراجه كما أفتى به بعض المتأخرين. ويشترط في الدين ثلاثة شروط: أحدها كونه (ثابتا) فلا يصح بغيره، سواء أوجد سبب وجوبه كنفقة زوجته في الغد أم لا كرهنه على ما سيقرضه كما سيأتي، لأن الرهن وثيقة حق فلا تقدم عليه كالشهادة. فلو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا على جهة سوم الرهن، فإذا استحقت المنفعة أو استقرض لم يصر رهنا إلا بقبض جديد. ثانيها: كونه معلوما للعاقدين، فلو جهلاه أو أحدهما لم يصح كما في الضمان، ذكره المتولي وغيره، ونص الام بشهد له. ثالثها: كونه (لازما) فلا يصح بما لا يلزم ولا يؤول إلى اللزوم كمال الكتابة كما سيأتي، لأنه لا فائدة في الوثيقة مع تمكن المديون من إسقاط الدين. ثم شرع المصنف في بعض محترزات الشروط التي ذكرها، فقال: (فلا يصح بالعين المغصوبة والمستعارة في الأصح) لما مر: والثاني: يصح كضمانها لترد بجامع التوثق. وفرق الأول بأن ضمانها لا يجر لو لم تتلف إلى ضرر، بخلاف الرهن بها فيجر إلى ضرر دوام الحجر في المرهون.
تنبيه: لو عبر بالعين المضمونة لكان أخصر وأشمل لتناولها لمأخوذ ببيع فاسد والمأخوذ بسوم والمبيع والصداق قبل القبض، بل لو اقتصر على العين لكان أولى ليشمل غير المضمون كالمودوع كما مر. وهذه المسائل خرجت
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429