(فصل: لكل منهما) أي: للمعير والمستعير (رد العارية متى شاء) وإن كانت مؤقتة والمدة باقية لأنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الالزام. ورد المعير بمعنى رجوعه كما في المحرر، ولو عبر به لكان أولى كما عبر به في الوديعة. (إلا إذا) كانت العارية لازمة، كمن (أعار) أرضا (لدفن) لميت محترم وفعل المستعير، (فلا يرجع) أي المعير في موضعه الذي دفن فيه، وامتنع على المستعير ردها، فهي لازمة من جهتهما، (حتى يندرس أثر المدفون) بأن يصير ترابا لا يبقى منه شئ غير عجب الذنب، وهو مثل حبة خردل في طرف العصعص لا جميع العصعص، ولما كان لا يكاد يتحقق بالمشاهدة لم يتعرض المصنف لاستثنائه فإنه لا يبلى أبدا. وإنما امتنع الرجوع محافظة على حرمة الميت، ولهما الرجوع قبل وضعه فيه لا بعد وضعه وإن لم يوار بالتراب كما رجحه في الشرح الصغير، خلافا لما قاله المتولي من جواز الرجوع. وليس في الروضة وأصلها تصريح بترجيح. قال الأذرعي: وكلام النهاية والبسيط يوافق كلام المتولي، ولم أر من صرح بخلافه اه. وصورة ذلك بعد البلى إذا أذن المعير في تكرار الدفن وإلا فقد انتهت العارية، وإذا امتنع الرجوع قبل البلى لا يستحق المعير أجرة كما صرح بذلك البغوي والماوردي وغيرهما، لأن العر ف غير قاض به والميت لا مال له، وللمعير سقي شجر بالأرض التي بها القبر إن أمن ظهور شئ من الميت وإلا امتنع عليه، ولو أظهره السيل من قبره قال الماوردي والروياني: يجب إعادته لأنه قد صار حقا له مؤبدا. قال ابن الرفعة: وقد يوجه بأن دفنه على الفور وفي تأخيره إلى حفر غيره ونقله إليه تأخير للواجب. ويؤخذ من ذلك أن السيل إن حمله إلى موضع مباح يمكن دفنه فيه من غير تأخير منع إعادته وهو كذلك، وعلى المعير لولي الميت مؤنة حفر ما رجع فيه قبل الدفن لأنه المورط له. فإن قيل: لو بادر المعير إلى زراعة الأرض بعد تكريب المستعير لها لم يلزمه أجرة التكريب كما في فتاوى البغوي، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الدفن لا يمكن إلا بالحفر بخلاف الزراعة فإنها ممكنة بدون التكريب، ولا يلزمه الطم لما حفره لأنه بالاذن.
تنبيه: أورد على حصره الاستثناء فيما ذكره مسائل، منها ما لو كفن الميت أجنبي وقلنا إن الكفن باق على ملك الأجنبي كما هو الأصح في زيادة الروضة في كتاب السرقة فهو عارية لازمة كما قاله في الوسيط، أي من الجانبين، فلو نبش الميت سبع وأكله فقد انتهت العارية فيرجع إلى المعير ولا يسمى راجعا في العارية. ومنها ما لو قال: أعيروا داري بعد موتي لزيد شهرا لم يكن للمالك وهو الوارث الرجوع قبل الشهر كما قالاه في التدبير. ومنها ما لو نذر المعير أن لا يرجع إلا بعد سنة مثلا أو نذر أن يعيره سنة مثلا امتنع الرجوع قبل السنة، قاله الرافعي في التدبير. ومنها ما لو أعار سفينة فوضع المستعير فيها متاعا ثم طلبها المعير في اللجة لم يجب لذلك لأجل الضرر لا للزومها، قاله البندنيجي والروياني، قال ابن الرفعة: ويظهر أن له الأجرة من حين الرجوع كما لو أعاره أرضا لزرع فرجع قبل انتهائه. ومنها ما لو أعاره دابة أو سلاحا أو نحو ذلك للغزو فالتقى الصفان فليس له الرجوع في ذلك حتى ينكشف القتال، قاله الخفاف في الخصال. ومنها ما لو أراد الصلاة المفروضة فأعاره ثوبا ليستر به عورته أو ليفرشه في مكان نجس ففعل وكان الرجوع مؤديا إلى بطلان الصلاة، قال الأسنوي: فيحتمل منعه وهو متجه، ويحتمل الجواز وتكون فائدته طلب الأجرة اه. ونقل الزركشي في الخادم عن البحر: أنه ليس للمعير الاسترداد ولا للمستعير الرد إلا بعد فراغ الصلاة، وفي شرح المهذب عن الماوردي وغيره: أن المعير لو رجع في الصلاة نزعه وبنى ولا إعادة عليه بلا خلاف اه. والأولى كما قال شيخي أن يقال في استعارة السترة للصلاة إن استعارها ليصلي فيها الفرض فهي لازمة من جهتهما أو لمطلق الصلاة فهي لازمة من جهة المستعير فقط إن أحرم فيها بفرض وجائزة من جهتهما إن أحرم بنفل، ويحمل ما ذكر على هذا التفصيل. ومنها ما لو استعار سترة يستتر بها في الخلوة فهي لازمة من جهة المستعير أيضا. ومنها ما لو استعار دارا لسكني المعتدة فهي لازمة من جهة المستعير أيضا. ومنها ما لو استعار سلاحا ونحوه ليدفع به عما يجب الدفع عنه كما هو مبين في كتاب الصيال. ومنها ما إذا استعار ما يدفع به أذى الحر والبرد المهلكين. ومنها ما إذا استعار ما ينجو به من الغرق ويطفئ به الحرق،