والثاني: يصدق مدعي الفساد، لأن الأصل عدم العقد الصحيح. وإنما رجح الأصل الأول لاعتضاده بتشوف الشارع إلى انبرام العقود. واستثنى من ذلك مسائل: منها ما إذا باع ذراعا من أرض وهما يعلمان ذرعانها فادعى أنه أراد ذراعا معينا مبهما وادعى المشتري الإشاعة، فالمصدق البائع لأنه أعرف بإرادته. ومنها ما إذا قال السيد: كاتبتك وأنا مجنون أو محجور علي وعرف له ذلك فإنه المصدق، ومثله قول الروياني فيما لو اختلفا فيما يكون وجوده شرطا كبلوغ البائع كأن باعه ثم قال: لم أكن بالغا حين البيع وأنكر المشتري واحتمل ما قاله البائع صدق بيمينه، لأن الأصل عدم البلوغ. وأما إذا قال السيد: كاتبتك على نجم واحد، وقال الرقيق: بل على نجمين فإن الرقيق هو المصدق كما رجحه المصنف. ومنها ما لو قال مشتري المغصوب: كنت أظن القدرة على تسليمه وأنا الآن لا أقدر فهو المصدق كما أفتى به القفال، لاعتضاده بقيام الغصب. ومنها ما إذا اختلفا هل وقع الصلح على إنكار أو اعتراف فالمصدق مدعي وقوعه على إنكاره لأنه الغالب كما سيأتي في بابه. ومنها ما إذا قال المرتهن: أذنت في البيع بشرط رهن الثمن وقال الراهن: بل مطلقا فالمصدق المرتهن، هكذا قاله الزركشي. قال شيخنا: وليس مما نحن فيه لأن الاختلاف بعد تسليم الحكم المذكور لم يقع من العاقدين، ولا من نائبهما. ولو قال المشتري: رأيت المبيع وأنكر البائع، أو قال المشتري: اشتريت ما لم أره فالمصدق مدعي الصحة، وكذا لو باع الثمرة قبل بدو الصلاح أو الزرع في الأرض ثم اختلفا هل شرط القطع أو لا، أو قالت المرأة، وقع العقد بلا ولي ولا شهود وأنكر الزوج، فالمصدق مدعي الصحة.
تنبيه: هذا الاختلاف قد علمت أنه يجري في غير البيع كالنكاح وغيره، فلو قال المصنف: ولو ادعى صحة العقد، لكان أولى. (ولو اشترى عبدا) مثلا معينا وقبضه، (فجاء بعبد معيب ليرده فقال البائع ليس هذا المبيع صدق البائع بيمينه) لأن الأصل السلامة وبقاء العقد. (وفي مثله في السلم) بأن يقبض المسلم المؤدى عن المسلم فيه ثم يأتي بمعيب فيقول المسلم إليه ليس هذا المقبوض، (يصدق المسلم في الأصح) بيمينه أن هذا هو المقبوض، لأن الأصل بقاء شغل ذمة المسلم إليه بالمسلم فيه. والثاني: يصدق المسلم إليه كالبيع. وفرق الأول بأن المدعي هنا لم يعترف بقبض ما ورد عليه العقد، والأصل بقاء شغل ذمة المنكر، وهناك اعترف بقبضه ووقع الاختلاف في سبب الفسخ، والأصل عدمه. وقيدت العبد في كلامه بالمعين احترازا عن المبيع الموصوف في الذمة فإنه كالمسلم فيه. والثمن المعين كالمبيع المعين فيصدق المشتري في الأصح.
خاتمة: لو قبض المبيع مثلا مكيلا أو موزونا ثم ادعى نقصا، فإن كان قدرا يقع مثله في الكيل أو الوزن صدق بيمينه لاحتماله مع عدم مخالفته الظاهر، وإلا فلا يصدق، لمخالفته الظاهر، ولأنهما اتفقا على القبض، والقابض يدعي الخطأ فيه فعليه البينة، كما لو اقتسما ثم جاء أحدهما وادعى الخطأ فيه تلزمه البينة. ولو باعه أو رهنه عصيرا فوجده خمرا أو وجد فيه فأرة ميتة وقال هكذا قبضته منك وأنكر البائع، صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه، لأن الأصدق عدم المفسد، ولو اختلفا في القبض صدق المشتري. ولو باع شخص شيئا فظهر أنه كان لابنه أو موكله فوقع اختلاف، كأن قال الابن: باع أبي مالي في الصغر لنفسه متعديا، وقال الموكل: باع وكيلي مالي متعديا، وقال المشتري: لم يتعد الولي ولا الوكيل صدق المشتري بيمينه، لأن كلا من الأب والوكيل أمين فلا يتهم إلا بحجة.
باب في معاملة الرقيق ذكر الشيخ في التنبيه هذا الباب عقب القراض لمشاركته له في اتحاد المقصود، وهو تحصيل الربح بالاذن في التصرف . وذكره الشافعي رضي الله تعالى عنه هنا وترجم له بمداينة العبيد، وتبعه الرافعي ثم تبعهما المصنف. قال الامام: تصرفات