قول الأصوليين إنه يفيد القطع مشكل. أجيب بأن المعلوم يتفاوت، ولا شك أن العيان أقوى، ولهذا تقدم في توجيهه أن الرؤية تفيد أمورا تقصر عنها العبارة. (ويصح سلم الأعمى) أي أن يسلم أو يسلم إليه لأنه يعرف الصفات بالسماع، ومحل هذا إذا كان العرض موصوفا في الذمة ثم عين في المجلس، ويوكل من يقبض عنه أو يقبض له رأس مال السلم والمسلم فيه لأن السلم يعتمد الوصف لا الرؤية، فإن كان العوض معينا لم يصح كبيعه عينا. (وقيل إن عمي قبل تمييزه) بين الأشياء أو خلق أعمى، (فلا) يصح سلمه لانتفاء معرفته بالأشياء. وأجاب الأول بأنه يعرفها بالسماع ويتخيل فرقا بينها، كبصير يسلم فيما لم يكن رآه كأهل خراسان في الرطب وأهل بغداد في الموز.
تنبيه: قد يفهم كلامه أنه لا يصح من الأعمى من العقود غير السلم، وليس مرادا بل يصح أن يشتري نفسه ويؤجرها لأنه لا يجهلها، وأن يقبل الكتابة على نفسه، وله أن يكاتب عبده على الأصح تغليبا للعتق، وقياسه كما قال الزركشي صحة شرائه من يعتق عليه وبيعه العبد من نفسه، وأن يزوج ابنته ونحوها. وأما ما يعتمد فيه الرؤية كالبيع والإجارة والرهن فلا يصح منه، وإن قلنا بصحة بيع الغائب، وطريقه أن يوكل فيه.
خاتمة: لو اشترى البصير شيئا ثم عمي قبل قبضه وقلنا لا يصح شراؤه فهل ينفسخ البيع؟ فيه وجهان، صحح المصنف منهما عدم البطلان. ولا يصح بيع البصل والجزر ونحوهما في الأرض لأنه غرر. قال المصنف: ومما تعم به البلوى - أي مع عدم صحته - ما اعتاده الناس من بيع النصيب من الماء الجاري من نهر أو نحوه للجهل بقدره، ولان الجاري إن كان غير مملوك فذاك وإلا فلا يمكن تسليمه لاختلاط غير المبيع به، فطريقه أن يشتري القناة أو سهما منها، فإذا ملك القرار كان أحق بالماء، ذكره القاضي والعمراني وغيرهما. وإن اشترى القرار مع الماء لم يصح فيهما للحوالة. ولا يشترط الذوق والشم في مثل الخل والمسك ولا لمس الثياب، لأن معظم المقصود يتعلق بالرؤية فلا يشترط غيرها. ولو اشترى سمنا أو غيره من المائعات أو غيرها في ظرفه كل رطل بدرهم مثلا على أن يوزن بظرفه ويسقط أرطالا معينة بسبب الظرف ولا يوزن الظرف فالبيع باطل بلا خلاف لأنه غرر ظاهر. قال في المجموع: وهذا من المنكرات المحرمة التي تقع في كثير من الأسواق.
ولو رأى ثوبين مستويين قيمة ووصفا وقدرا كنصفي كرباس فسرق أحدهما واشترى الآخر غائبا عنه ولا يعلم أيهما المسروق صح لحصول العلم، لا إن اختلفت الأوصاف المذكورة. وإذا اختلفا في الرؤية فالقول قول مدعيها بيمينه لأن الاقدام على العقد اعتراف بصحته وهو على القاعدة في دعوى الصحة والفساد من تصديق مدعيها.
باب الربا: بالقصر، وألفه بدل من واو، ويكتب بهما وبالياء، وهو مكتوب في المصحف بالواو. قال الغزالي: لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحرة ولغتهم الربوا، فعلموهم صورة الخط على لغتهم. ويقال فيه الرماء بالميم والمد. وهو لغة : الزيادة. قال تعالى: * (اهتزت وربت) * أي زادت ونمت. وشرعا: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما. وهو ثلاثة أنواع: ربا الفضل، وهو البيع مع زيادة أحد العوضين عن الآخر. وربا اليد، وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما. وربا النساء، وهو البيع لأجل. وزاد المتولي ربا القرض المشروط فيه جر نفع. قال الزركشي: ويمكن رده لربا الفضل. والأصل في تحريمه قبل الاجماع آيات كآية : * (وحرم الربا) * وأخبار كخبر مسلم: لعن رسول الله (ص) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده. وروى الدارقطني والبيهقي : درهم ربا يأكله ابن آدم أشد عند الله إثما من ست وثلاثين زنية. وفي صحيح الحاكم عن مسروق عن عبد الله أن النبي (ص) قال: للربا سبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم وقال : إنه صحيح على شرط الشيخين، وهو من الكبائر، قال الماوردي: حتى قيل إنه لم يحل في شريعة قط لقوله تعالى: * (وأخذهم