مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٢١
قول الأصوليين إنه يفيد القطع مشكل. أجيب بأن المعلوم يتفاوت، ولا شك أن العيان أقوى، ولهذا تقدم في توجيهه أن الرؤية تفيد أمورا تقصر عنها العبارة. (ويصح سلم الأعمى) أي أن يسلم أو يسلم إليه لأنه يعرف الصفات بالسماع، ومحل هذا إذا كان العرض موصوفا في الذمة ثم عين في المجلس، ويوكل من يقبض عنه أو يقبض له رأس مال السلم والمسلم فيه لأن السلم يعتمد الوصف لا الرؤية، فإن كان العوض معينا لم يصح كبيعه عينا. (وقيل إن عمي قبل تمييزه) بين الأشياء أو خلق أعمى، (فلا) يصح سلمه لانتفاء معرفته بالأشياء. وأجاب الأول بأنه يعرفها بالسماع ويتخيل فرقا بينها، كبصير يسلم فيما لم يكن رآه كأهل خراسان في الرطب وأهل بغداد في الموز.
تنبيه: قد يفهم كلامه أنه لا يصح من الأعمى من العقود غير السلم، وليس مرادا بل يصح أن يشتري نفسه ويؤجرها لأنه لا يجهلها، وأن يقبل الكتابة على نفسه، وله أن يكاتب عبده على الأصح تغليبا للعتق، وقياسه كما قال الزركشي صحة شرائه من يعتق عليه وبيعه العبد من نفسه، وأن يزوج ابنته ونحوها. وأما ما يعتمد فيه الرؤية كالبيع والإجارة والرهن فلا يصح منه، وإن قلنا بصحة بيع الغائب، وطريقه أن يوكل فيه.
خاتمة: لو اشترى البصير شيئا ثم عمي قبل قبضه وقلنا لا يصح شراؤه فهل ينفسخ البيع؟ فيه وجهان، صحح المصنف منهما عدم البطلان. ولا يصح بيع البصل والجزر ونحوهما في الأرض لأنه غرر. قال المصنف: ومما تعم به البلوى - أي مع عدم صحته - ما اعتاده الناس من بيع النصيب من الماء الجاري من نهر أو نحوه للجهل بقدره، ولان الجاري إن كان غير مملوك فذاك وإلا فلا يمكن تسليمه لاختلاط غير المبيع به، فطريقه أن يشتري القناة أو سهما منها، فإذا ملك القرار كان أحق بالماء، ذكره القاضي والعمراني وغيرهما. وإن اشترى القرار مع الماء لم يصح فيهما للحوالة. ولا يشترط الذوق والشم في مثل الخل والمسك ولا لمس الثياب، لأن معظم المقصود يتعلق بالرؤية فلا يشترط غيرها. ولو اشترى سمنا أو غيره من المائعات أو غيرها في ظرفه كل رطل بدرهم مثلا على أن يوزن بظرفه ويسقط أرطالا معينة بسبب الظرف ولا يوزن الظرف فالبيع باطل بلا خلاف لأنه غرر ظاهر. قال في المجموع: وهذا من المنكرات المحرمة التي تقع في كثير من الأسواق.
ولو رأى ثوبين مستويين قيمة ووصفا وقدرا كنصفي كرباس فسرق أحدهما واشترى الآخر غائبا عنه ولا يعلم أيهما المسروق صح لحصول العلم، لا إن اختلفت الأوصاف المذكورة. وإذا اختلفا في الرؤية فالقول قول مدعيها بيمينه لأن الاقدام على العقد اعتراف بصحته وهو على القاعدة في دعوى الصحة والفساد من تصديق مدعيها.
باب الربا: بالقصر، وألفه بدل من واو، ويكتب بهما وبالياء، وهو مكتوب في المصحف بالواو. قال الغزالي: لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحرة ولغتهم الربوا، فعلموهم صورة الخط على لغتهم. ويقال فيه الرماء بالميم والمد. وهو لغة : الزيادة. قال تعالى: * (اهتزت وربت) * أي زادت ونمت. وشرعا: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما. وهو ثلاثة أنواع: ربا الفضل، وهو البيع مع زيادة أحد العوضين عن الآخر. وربا اليد، وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما. وربا النساء، وهو البيع لأجل. وزاد المتولي ربا القرض المشروط فيه جر نفع. قال الزركشي: ويمكن رده لربا الفضل. والأصل في تحريمه قبل الاجماع آيات كآية : * (وحرم الربا) * وأخبار كخبر مسلم: لعن رسول الله (ص) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده. وروى الدارقطني والبيهقي : درهم ربا يأكله ابن آدم أشد عند الله إثما من ست وثلاثين زنية. وفي صحيح الحاكم عن مسروق عن عبد الله أن النبي (ص) قال: للربا سبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم وقال : إنه صحيح على شرط الشيخين، وهو من الكبائر، قال الماوردي: حتى قيل إنه لم يحل في شريعة قط لقوله تعالى: * (وأخذهم
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429