كتاب الوكالة هي بفتح الواو وكسرها لغة: التفويض، يقال: وكل أمره إلى فلان: فوضه إليه واكتفى به، ومنه: توكلت على الله. وشرعا: تفويض شخص ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته. والأصل فيها من الكتاب قوله تعالى : * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) *، وأما قوله تعالى: * (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) *، وقوله: * (اذهبوا بقميصي هذا) *، فهذا شرع من قبلنا، والصحيح أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره. ومن السنة أحاديث كثيرة، منها خبر الصحيحين: أنه (ص) بعث السعاة لاخذ الزكاة، ومنها توكيله (ص) عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة، ومنها: توكيله أبا رافع في قبول نكاح ميمونة، ومنها: توكيله عروة البارقي في شراء الشاة. وانعقد الاجماع على جوازها، ولان الحاجة داعية إليها، فإن الشخص قد يعجز عن قيامه بمصالحه كلها، بل قال القاضي حسين وغيره: إن قبولها مندوب إليه لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * ولخبر: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وأركانها أربعة: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة.
وقد شرع في شرط الركن الأول فقال: (شرط الموكل صحة مباشرته ما وكل) بفتح الواو، (فيه) وهو التصرف المأذون فيه، (بملك) كتوكيل نافذ التصرف في ماله، (أو ولاية) كتوكيل الأب أو الجد في مال موليه. (فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون) ولا مغمى عليه ولا نائم في التصرفات ولا فاسق في نكاح ابنته، إذ لا تصح مباشرتهم لذلك، فإذ لم يقدر الأصل على تعاطي الشئ فنائبه أولى أن لا يقدر. واحترز بالملك والولاية عن الوكيل فإنه لا يوكل عند الاطلاق على تفصيل يأتي، فإنه ليس بمالك ولا ولي. (ولا) يصح توكيل (المرأة) أجنبيا، (و) لا (المحرم) بضم الميم حلالا ، (في النكاح) أما المرأة فإنها لا تزوج نفسها فلا توكل فيه. أما لو أذنت للولي بصيغة الوكالة فإنه يصح كما نقله في البيان عن النص وصوبه في الروضة. وأما المحرم فللنهي عنه في صحيح مسلم. وصورة توكيله أن يوكل ليعقد له أو لموليه حال الاحرام، فإن وكله ليعقد له بعد التحلل أو أطلق صح لأن الاحرام يمنع الانعقاد دون الاذن كما سيأتي ذلك في النكاح، وطرده القاضي فيما لو وكله ليشتري له هذا الخمر بعد تخلله، وكذا لو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج على الأصح لأنه سفير محض، وإن كان إطلاق المصنف يقتضي المنع في المسائل الثلاث واختاره السبكي. (ويصح توكيل الولي) وهو الأب والجد (في حق الطفل) في النكاح والمال، والوصي والقيم في المال، فيوكل الولي عن الطفل أو عن نفسه أو عنهما معا. وفائدة كونه وكيلا عن الطفل أنه لو بلغ رشيدا لم ينعزل الوكيل بخلاف ما إذا كان وكيلا عن الولي، وكالطفل المجنون والمعتوه والسفيه والمحجور عليه ونحوهم. ولو حذف المصنف الطفل لكان أولى ليشمل هؤلاء. قال الأذرعي:
وما ذكر هنا في توكيل الوصي هو الصحيح، وقضية كلام الشيخين في الوصايا أنه لا يوكل ولا يصح توكيله، أي فيما يتولى مثله، فعليه يمكن حمل ما هنا على ذلك، لكن الظاهر كما قال شيخنا الاطلاق. ويصح توكيل السفيه والمفلس والعبد فيما يستقلون به من التصرفات، ولا يصح فيما لا يستقلون به إلا بعد إذن الولي والغريم والسيد، ويصح توكيل أصناف الزكاة في قبضها لهم، قال في الخادم: وإن كان الوكيل لا يجوز له أخذها كما صرح به القفال في فتاويه. (ويستثنى) من هذا الضابط المذكور طردا وعكسا صور، فمن صور الثاني، وهو من لا تصح منه المباشرة لا يصح منه التوكيل:
(توكيل الأعمى في البيع والشراء) ونحوهما مما يتوقف على الرؤية كالإجارة والاخذ بالشفعة، (فيصح) وإن لم يقدر