فصل: في الصيغة: (قوله لزيد كذا صيغة إقرار) وجهه الأسنوي بأن اللام تدل على الملك، ومحله كما قال هو وغيره إذا كان المقر به معينا كهذا الثوب فيجب عليه أن يسلمه له إن كان بيده أو انتقل إليها وإن لم يكن كألف أو ثوب فلا بد أن يضيف إليه شيئا من الألفاظ الآتية ك علي أو عندي أو نحو ذلك، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله صيغة إقرار ولم يقل لزمه. (وقوله علي ونفي ذمتي للدين) الملتزم في الذمة لأنه المتبادر منه تصرفا، وهذا عند الاطلاق لما سيأتي أنه يقبل التفسير في علي بالوديعة.
تنبيه: لو عبر المصنف ب أو هنا فقال: علي أو في ذمتي كما عبر به في الروضة وفيما سيأتي فقال: معي أو عندي لكان أولى، لئلا يوهم أن المراد الهيئة الاجتماعية. (ومعي وعندي للعين) لأنهما ظرفان فيحمل كل منهما عند الاطلاق على عين له بيده، فلو ادعى أنها وديعة وأنها تلفت أو أنه ردها صدق بيمينه. وقوله قبلي بكسر القاف وفتح الموحدة للعين والدين كما جرى عليه ابن المقري تبعا لما رجحه الشيخان بحثا بعد نقلهما عن البغوي أنه للدين. قال الأسنوي: ولو أتى بلفظ يدل على العين وآخر على الدين كأن قال: له علي ومعي عشرة، فالقياس أنه يرجع إليه في تفسير بعض ذلك بالعين وبعضه بالدين. (ولو قال) إنسان لآخر: (لي عليك ألف فقال) له: (زن أو خذ أو زنه أو خذه أو اختم عليه أو اجعله في كيسك) أو هي صحاح، (فليس بإقرار) لأنه ليس بالتزام وإنما يذكر في موضع الاستهزاء. (ولو قال) له: (بلى أو نعم أو صدقت) أو أجل أو جير أو أي بمعنى نعم (أو أبرأتني منه أو قضيته أو أنا مقر به فهو إقرار) أما الثلاثة الأول فلأنها ألفاظ موضوعة للتصديق وفي معناها ما ذكر معها. وأما دعوى الابراء والاقتضاء فلانه قد اعترف بالشغل وادعى الاسقاط والأصح عدمه.
وفي الروضة وأصلها فيما لو قال: لي عليك ألف فقال: صدقت أو نحوه يشبه محل كونه إقرارا إذا لم توجد قرينة تصرفه للاستهزاء والتكذيب كالأداء والايراد، أي كيفية أداء الكلمة وإيرادها من الضحك وغيره، كتحريك الرأس عجبا وإنكارا اه. فإن وجد منه ذلك ففيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو قال: لي عليك ألف فقال مستهزئا: لك علي ألف فإن المتولي حكى فيه وجهين، وقضية كلامه كما في المهمات أن الأصح اللزوم.
تنبيه: لو اقتصر على قوله: أبرأتني فليس بإقرار، وكذا قوله للحاكم: قد أقر أنه أبرأني أو أنه قد استوفى مني الألف، قاله القفال في فتاويه. وهو حيلة لدعوى البراءة مع السلامة من التزام، ومثل ذلك ما لو قال: قد أبرأتني من هذه الدعوى فلا يكون مقرا بالحق. وأما قوله: أنا مقر به فقضية التعليل الآتي في أنا مقر به تقييد حكم أنا مقر بما إذا خاطبه فقال: أنا مقر لك به وإلا فيحتمل الاقرار به لغيره، قاله الرافعي وأسقطه من الروضة، وأجاب عنه السبكي بأن الضمير عائد إلى الألف التي له، أي فلا يقبل قول المقر أردت به غيرك، كما لا يقبل تفسيره الدراهم بالناقصة إذا لم يصلها بالكلام وكانت دراهم البلد تامة، إذ الجواب منزل على السؤال. (ولو قال أنا مقر) ولم يقل به (أو أنا أقر به فليس بإقرار) أما الأول فلجواز أن يريد الاقرار ببطلان دعواه أو بوحدانية الله تعالى، وأما الثاني فلاحتمال الوعد بالاقرار في ثاني الحال. فإن قيل: لو قال: لا أنكر ما تدعيه كان إقرارا مع احتمال الوعد فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن العموم إلى النفي أسرع منه إلى الاثبات بدليل النكرة فإنها تعم في حيز النفي دون الاثبات. قال الرافعي: ولك أن تقول هب أن هذا الفرق متين لكنه لا ينفي الاحتمال، وقاعدة الباب الاخذ باليقين. وأجيب أيضا بأن المفهوم عرفا من لا أنكر ما تدعيه أنه إقرار بخلاف أنا أقر به. (ولو قال أليس) أو هل كما في المطلب (لي عليك كذا فقال بلى أو نعم فإقرار) لأنه المفهوم منهما، (وفي نعم) في صورة المتن (وجه) أنه ليس بإقرار، لأنه موضوع للتصديق فيكون مصدقا له في النفي، بخلاف بلى فإنها لرد النفي ونفي النفي إثبات. قال ابن عباس رضي الله عنهما