المأمور أقرضه من ماله لم يستحق العشرة. ولو قال لغيره: ادفع مائة قرضا علي إلى وكيلي فلان فدفع ثم مات الآمر فليس للدافع مطالبة الآخذ لأنه لم يأخذه لنفسه، وإنما هو وكيل عن الآمر وقد انتهت وكالته بموته، وليس للآخذ الرد عليه، فإن رد ضمنه للورثة، وحق الدافع يتعلق بتركه الميت عموما لا بما دفع خصوصا لأن الحق قد انتقل للغير.
قال القرطبي: لا يمتنع القرض للاعراض لقصة أبي ضمضم، وهي ما رواه ابن عدي في الكامل والبزار والبيهقي وأبو داود في المراسيل: لما أمر النبي (ص) بالصدقة وحث عليها قال: اللهم إني أتصدق بعرضي على من ناله من خلقك فأمر رسول الله (ص) مناديا فنادى: أين المتصدق بعرضه؟ فقال: فقال له النبي (ص): إن الله قد قبل صدقتك. وفي الحديث: أقرض من عرضك ليوم عرضك.
كتاب الرهن هو لغة: الثبوت والدوام، ومنه الحالة الراهنة: أي الثابتة. وقال الماوردي: هو الاحتباس، ومنه: * (كل نفس بما كسبت رهينة) *. وشرعا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفي منها عند تعذر وفائه. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) *، وخبر الصحيحين: أنه (ص) رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله، ثم قيل إنه افتكه قبل موته لخبر: نفس المؤمن معلقة بدينه أي محبوسة في القبر غير منبسطة مع الأرواح في عالم البرزخ، وفي الآخرة معوقة عن دخول الجنة حتى يقضى عنه، وهو (ص) منزه عن ذلك. والأصح أنه لم يفتكه لقول ابن عباس: توفي النبي (ص) ودرعه مرهونة عند يهودي والخبر محمول على غير الأنبياء تنزيها لهم، أو على من لم يخلف وفاء، أي وقصر. أما من لم يقصر بأن مات وهو معسر وفي عزمه الوفاء فلا تحبس نفسه. فإن قيل: هلا اقترض رسول الله (ص) من المسلمين؟
أجيب بأنه (ص) فعل ذلك بيانا لجواز معاملة أهل الكتاب، وقيل: لأنه لم يكن عند أحد من مياسير أهل المدينة من المسلمين طعام فاضل عن حاجته. والوثائق بالحقوق ثلاثة: شهادة، ورهن، وضمان. فالأولى لخوف الجحد، والأخيرتان لخوف الافلاس، وأركان الرهن أربعة: صيغة، وعاقد، ومرهون، ومرهون به. وقد بدأ المصنف رحمه الله تعالى بالأول فقال: (لا يصح إلا بإيجاب وقبول) أو ما يقوم مقامهما على الشرط المعتبر في البيع لأنه عقد مالي فافتقر إليهما كالبيع. والقول في المعاطاة والاستيجاب مع الايجاب، والاستقبال مع القبول هنا كالبيع، وقد مر بيانه. وصورة المعاطاة هنا كما ذكره المتولي أن يقول له: أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهنا فيعطي العشرة ويقبضه الثوب. (فإن شرط فيه) أي الرهن (مقتضاه كتقدم المرتهن به) أي المرهون عند تزاحم الغرماء ليستوفي منه دينه، (أو) شرط فيه (مصلحة للعقد كالاشهاد) به، (أو ما لا غرض فيه) كأن يأكل الرقيق المرهون كذا، (صح العقد) في الأقسام الثلاثة كالبيع ولغا الشرط الأخير. (وإن شرط ما يضر المرتهن) وإن لم ينتفع به الراهن، كشرط أن لا يبيعه إلا بعد شهر أو بأكثر من ثمن المثل أو لا يبيعه عند المحل أو يكون مضمونا أو لا يقدم به، (بطل الرهن) أي عقده لاخلال الشرط بالغرض منه. (وإن نفع) الشرط (المرتهن، وضر الراهن كشرط) زوائد المرهون، أو (منفعته للمرتهن بطل الشرط) لحديث: كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل. (وكذا)