بقاء ما كان على ما كان، فإن لم يمكن الصبا ولم يعهد الجنون ولم تكن أمارة لم يصدق، والامارة إنما تثبت باعتراف المقر له، أو بالبينة، أو باليمين المردودة، فإن قامت بينة في الصور الثلاث بكون المقر حين إقراره كان بالغا في الأولى أو عاقلا في الثانية أو مختارا في الثالثة عمل بها ولا يصدق لتكذيبه البينة. ثم شرع في الركن الرابع مترجما بفصل أيضا فقال:
فصل: يشترط في المقر به: وهو كل ما جازت المطالبة به، (أن لا يكون ملكا للمقر) حين يقر به، لأن الاقرار ليس إزالة عن الملك وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للمقر له فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر. (فلو قال داري أو ثوبي أو ديني الذي على زيد لعمرو فهو لغو) لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له فينافي إقراره لغيره إذ هو إخبار بحق سابق عليه كما مر، فحمل على الوعد والهبة. ولو قال: الدار التي اشتريتها لنفسي، أو ورثتها من أبي ملك لزيد لم يصح أيضا إلا أن يريد الاقرار فيصح، وكذا لو قال: داري لفلان وأراد الاقرار لأنه أراد بالإضافة إضافة سكنى ذلك، ذكر ذلك البغوي في فتاويه. قال الأذرعي بعد نقله كلام البغوي: ويتجه أن يستفسر عند إطلاقه ويعمل بقوله، بخلاف قوله داري التي هي ملكي له للتناقض الصريح. واستشكل الأسنوي عدم صحة الاقرار في الأولتين إذ لم يرده بأن الملكين لم يتواردا على وقت واحد. وأجيب بأن الموافق لقاعدة الباب بالأخذ باليقين كما سيأتي عدم الصحة، ولو قال: مسكني أو ملبوسي لفلان صح، إذ لا منافاة لأنه قد يسكن ويلبس ملك غيره. ولو قال: الدين الذي كتبته على زيد لعمرو صح لاحتمال أنه وكيل، فلو طالب عمرو زيدا فأنكر فإن شاء عمرو أقام بينة بإقرار المقر أن الدين الذي كتبه على زيد له ثم يقيم بينة عليه بالمقر به، وإن شاء قام بينة بالمقر به ثم بينة بالاقرار.
فرع: قال المصنف في فتاويه: لو كان بالدين المقر به رهن أو كفيل انتقل إلى المقر له بذلك. وفصل الشيخ تاج الدين الفزاري فقال: إن أقر أن الدين صار لزيد: ينتقل بالرهن لأن صيرورته إليه إنما تكون بالحوالة وهي تبطل الرهن وإن أقر أن الدين كان له بقي الرهن بحاله. وهذا التفصيل هو الظاهر، ومثل الرهن الكفيل. (ولو قال هذا) العبد مثلا (لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت به فأول كلامه إقرار وآخره لغو) فيطرح آخر ويؤخذ بأوله، لأنه مشتمل على جملتين مستقلتين. ولو شهدت بينة بأن زيدا أقر بأن هذا ملك لعمرو وكان ملك زيد إلى أن أقر به لم تقبل، وفارقت المقر بأنها تشهد على غيرها فلا يقبل قولها إلا إذا لم يتناقض، والمقر يشهد على نفسه فيؤاخذ بما يصح من كلامه، ولو قال: ملكي هذا لفلان صح الاقرار أيضا كما صرح به الإمام واقتضاه كلام الرافعي، وهو إقرار بعد إنكار. (وليكن المقر به) من الأعيان (في يد المقر) حسا أو شرعا (ليسلم بالاقرار للمقر له) لأنه إذا لم يكن في يده كان كلامه إما دعوى عن الغير بغير إذنه أو شهادة بغير لفظها فلا تقبل.
تنبيه: كونه في يد المقر شرط لأعمال القرار وهو التسليم لا شرط لصحته فلا يقال إنه لاغ بالكلية، فإنه إذا حصل بيده لزمه تسليمه إليه كما سيأتي. واستثني من ذلك مسائل: الأولى ما إذا باع شيئا بشرط الخيار له أو لهما ثم ادعاه رجل فأقر البائع في مدة الخيار له به صح وانفسخ البيع لأن له الفسخ. الثانية: ما لو باع الحاكم مال الغائب بسبب اقتضاه، ثم قدم وادعى أنه كان قد تصرف فيه قبل بيع الحاكم، فإنه يقبل منه كما نقله الرافعي قبيل كتاب الصداق عن النص.
الثالثة: لو وهب لولده عينا ثم أقبضه إياها ثم أقر بها لآخر فإنه يقبل إقراره، أفتى بذلك صاحب البيان، لكنه كما قال الأذرعي مفرع على أن تصرف الواهب رجوع والأصح خلافه. ومحل ما ذكره المصنف إذا كان في يده لنفسه، أما إذا كان في يده لغيره كمحجوره ووقف هو ناظر عليه لم يصح إقراره. وخرج بما قدرته في كلامه الدين فلا يتأتى فيه