كما يملك عامره بالبيع وغيره، (دون عرفات) فلا يجوز إحياؤها (في الأصح) وإن كانت من غير الحرم لتعلق الوقوف بها، كالحقوق العامة من الطرق ومصلى العيد في الصحراء وموارد الماء. وقد عمت البلوى بالعمارة على شاطئ النيل والخلجان، فيجب على ولي الأمر ومن له قدرة منع من يتعاطى ذلك. والثاني: إن ضيق امتنع، وإلا فلا. (قلت: ومزدلفة ومنى كعرفة، والله أعلم) فلا يجوز إحياؤهما في الأصح لحق المبيت والرمي وإن لم يضق به المبيت والمرمى. وقد عمت البلوى بالبناء بمنى وصار ذلك لا ينكر، فيجب على ولي الأمر هدم ما فيها من البناء والمنع من البناء فيها.
تنبيه: ظاهر كلامه أن هذا الحكم منقول، وأن خلاف عرفة يجري فيه وبه صرح في التصحيح. والذي في الروضة أن ذلك على سبيل البحث، فإنه قال: ينبغي أن يكون الحكم في أرض منى ومزدلفة كعرفات لوجود المعنى، وقال ابن الرفعة: ينبغي القطع لضيقه بخلاف عرفات. قال الأسنوي: والمتجه المنع من البناء بمزدلفة، ولو قلنا بما رجحه الرافعي من استحباب المبيت بها لكونه مطلوبا حينئذ. فينبغي أن يكون المحصب كذلك لأنه يستحب للحجيج إذا نفروا أن يبيتوا به، قال الولي العراقي: لكنه ليس من مناسك الحج، فمن أحيا شيئا منه ملكه اه. وهذا هو المعتمد.
(ويختلف الاحياء بحسب الغر ض) والرجوع فيه إلى العرف، فإن الشرع أطلقه ولا حد له في اللغة فيرجع فيه إليه كالقبض والحرز في السرقة، وهو في كل شئ بحسبه، والضابط التهيئة للمقصود. (فإن أراد) إحياء الموات (مسكنا اشترط) فيه لحصوله (تحويط البقعة) بآجر أو لبن أو قصب بحسب عادة ذلك المكان.
تنبيه: قضية كلام الشيخين الاكتفاء بالتحويط بذلك من غير بناء، ونص في الإمام على اشتراط البناء وهو المعتمد كما في التنبيه وغيره. (و) اشترط أيضا (سقف بعضها) ليتهيأ للسكنى، وفيه وجه أنه لا يشترط. (وتعليق) بعين مهملة: أي نصب باب لأن العادة في المنازل أن يكون لها أبواب، وما لا (باب) له لا يتخذ مسكنا. (وفي) تعليق (الباب وجه) أيضا أنه لا يشترط، لأن فقده لا يمنع السكنى وإنما ينصب لحفظ المتاع. ولو قال: وفيهما وجه كان أولى، فإن في السقف أيضا وجها كما مر.
تنبيه: أفهم كلامه أن السكنى لا تشترط في إحياء ما ذكر، وبه صرح المتولي وغيره. (أو) أراد إحياء الموات (زريبة دواب) أو نحوها كحظيرة لجمع ثمار وغلات وغيرها، (فتحويط) بالبناء بما جرت به العادة. ولا يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء لأن المجتاز بفعل ذلك والمتملك لا يقتصر عليه عداة. (لا سقف) فلا يشترط في إحياء الزريبة لأن العادة فيها عدمه. ولو حوط لها ببناء من طرف، واقتصر في الباقي على نصب أحجار أو سعف، قال القاضي: كفى، وخالفه الخوارزمي، والأوجه الأول. (وفي) نصب (الباب الخلاف) السابق في المسكن. ولو حفر قبرا في موات كان إحياء لتلك البقعة وملكه كما قال الزركشي، كما لو بنى فيها ولم يكن، بخلاف ما لو حفر قبرا في أرض مقبر مسبلة فإنه لا يختص به إذا السبق فيها بالدفن لا بالحفر. (أو) أراد إحياء الموات، (مزرعة) بفتح الراء أفصح من ضمها وكسرها. (فجمع التراب) ونحوه كحجر وشوك (حولها) يشترط في إحيائها لينفصل المحي عن غيره لجدار الدار، ولا حاجة إلى التحويط لأنه العرف. (وتسوية الأرض) بطم المنخفض وكسح المستعلي وحرثها إن لم تزرع إلا به وتلبين ترابها ولو بما يساق إليها لتتهيأ للزراعة. (وترتيب ماء لها) بشق ساقية من نهر أو بحفر بئر أو قناة أو نحو ذلك.
تنبيه: أفهم تعبيره بترتيب أنه لا يشترط السقي بالفعل وهو كذلك، فإذ حفر طريقه ولم يبق إلا إجراؤه كفى وإن لم يجر، فإن هيأه ولم يحفر طريقه كفى أيضا في أحد وجهين، ورجحه في الشرح الصغير. هذا (إن لم يكفها المطر