على ما يحتاج إليه ما يعمره بتقدير هدمه ويشتري له بالباقي عقارا ويقفه لأنه أحفظ له، لا بشئ من الموقوف على عمارته، لأن الواقف وقف عليها.
فرع: تقدم عمارة الموقوف على حق الموقوف عليهم لما في ذلك من حفظ الوقف، ويشرف ريع الموقوف على المسجد وقفا مطلقا أو على عمارته في البناء والتجصيص المحكم والسلم والبواري للتظليل بها والمكانس ليكنس بها والمساحي لينقل بها التراب، وفي ظلة تمنع إفساد خشب الباب بمطر ونحوه إن لم يضر بالمارة، وفي أجرة قيم لا مؤذن وإمام وحصر ودهن، لأن القيم يحفظ العمارة بخلاف الباقي. فإن كان الوقف لمصالح المسجد صرف من ريعه لمن ذكر لا في التزويق والنقش، بل لو وقف عليها لم يصح كما مرت الإشارة إليه، ولا يصرف لحشيش السقف ما عين لحشيش الحصر ولا عكسه. ولأهل الوقف المهايأة لا قسمته، وإن قلنا القسمة إفراز لما فيه من تغيير شرط الواقف ولا تغييره عن هيئته كجعل البستان دارا أو حماما إلا أن يشرط الواقف العمل بالمصلحة فيجوز التغيير بحسبها عملا بشرطه. قال السبكي:
والذي أراه تغييره في غير ذلك بثلاثة شروط: أن يكون يسيرا لا يغير مسمى الوقف، وأن لا يزيل شيئا من عينه بل ينقل نقضه من جانب إلى جانب، وأن يكون فيه مصلحة للوقف. وعليه ففتح شباك الطبرسية في جدار الجامع الأزهر لا يجوز إذ لا مصلحة للجامع فيه، وكذا فتح أبواب الحرم، لأنه إنما هو لمصلحة السكان.
فصل: في بيان النظر على الوقف: وشرط الناظر ووظيفته (إن شرط الواقف النظر) على وقفه (لنفسه أو غيره) واحدا كان أو أكثر، (اتبع) شرطه سواء فوضه له في حال حياته أم أوصى به لأنه المتقرب بالصدقة فيتبع شرطه كما يتبع في مصارفها وغيرها. ولو جعل ولاية وقفه لفلان فإن مات فلفلان جاز. وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يلي أمر صدقته، ثم جعله إلى حفصة تليه ما عاشت، ثم يليه أولو الرأي من أهلها رواه أبو داود، ولقبول المشروط له النظر حكم قبول الوكيل بجامع اشتراكهما في التصرف وفي جواز الامتناع منهما بعد قبولهما فلا يشترط قبوله لفظا.
(وإلا) أي وإن لم يشرطه لاحد، (فالنظر للقاضي على المذهب) لأن له النظر العام فكان أولى بالنظر فيه، ولان الملك في الوقف لله تعالى، والطريق الثاني ينبني على أقوال الملك والخلاف في الروضة كأصلها وجهان. ولو بنى مسجدا ببلد ووقف عليه وقفا ببلد آخر ولم يشرط النظر لاحد وقلنا بالمذهب إن النظر للحاكم كان النظر على المسجد لحاكم بلده وعلى الموقوف لحاكم بلده. ووقع بعد تولية القضاة الأربعة فتوى فيمن شرط النظر لزيد ثم لحاكم المسلمين بدمشق. وأفتى الفزاري بأن النظر المشروط للحاكم لا يختص بحاكم معين ونوزع في ذلك، واختار السبكي اختصاص الشافعي بالنظر في الأوقاف التي شرطت للحاكم، والتي سكت عن نظرها، والتي آل نظرها إلى الحاكم، قال: لأن القاضي الشافعي وهو المفهوم عرفا عند الاطلاق، فمتى قيل القاضي من غير تعيين فهو الشافعي، وإن أريد غيره قيدوه، وقد استقر ذلك في الديار المصرية وبسط القول في ذلك. (وشرط الناظر العدالة) وإن كان الوقف على معينين رشداء لأن النظر ولاية كما في الوصي والقيم. قال السبكي: ويعتبر في منصوب الحاكم العدالة الباطنة، وينبغي أن يكتفي في منصوب الواقف بالظاهرة كما في الأب وإن افترقا في وفور شفقة الأب، وخالف الأذرعي فاعتبر فيه الباطنة أيضا، والأول أوجه. (و) شرطه أيضا (الكفاية) وفسرها في الذخائر بقوة الشخص وقدرته وعلى التصرف فيما هو ناظر عليه ، فإن اختلت إحداهما نزع الحاكم الوقف منه وإن كان المشروط له النظر الواقف. وقضية كلام الشيخين أن الحاكم يتولاه استقلالا فيوليه من أراد، وأن النظر لا ينتقل لمن بعده إذا شرط الواقف النظر لانسان بعد آخر، أي إلا أن ينص عليه الواقف كما قاله السبكي وغيره، فإن زال الاختلال عاد نظره إن كان مشروطا في الوقف منصوصا عليه بعينه كما ذكره المصنف في فتاويه وإن اقتضى كلام الإمام خلافه، وما في الفتاوى يدل على أنه لا ينفذ عزله من نفسه ولا من غيره وهو كذلك من غيره أو من نفسه إذا تعين.