كتاب البيع أفرد المصنف رحمه الله تعالى لفظ البيع ولم يعبر كغيره بالبيوع تأسيا بقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) *. ويطلق على أمرين : أحدهما قسم الشراء، وهو الذي يشتق منه لمن صدر عنه لفظ البيع. وحده: نقل ملك بثمن على وجه مخصوص، والشراء قبول ذلك على أن لفظ كل منهما يقع على الآخر. تقول العرب: بعت بمعنى شريت وبالعكس، قال تعالى: * (وشروه بثمن بخس) * أي باعوه، وقال تعالى: * (ولبئس ما شروا به أنفسهم) *، ويقال لكل من المتبايعين بائع وبيع ومشتر وشار. الثاني: العقد المركب من الايجاب والقبول، وهو المراد بالترجمة، وهو لغة: مقابلة شئ بشئ ، قال الشاعر: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلمها إلا يدا بيد قال بعض المتأخرين: كذا قالوه، وينبغي أن يزاد فيه معاوضة أو على وجه المعاوضة ليخرج رد السلام ونحوه فإنه لا يسمى بيعا أه. وشرعا: مقابلة مال بمال على وجه مخصوص. فإن قيل: يرد على هذا التعريف القرض كما لو قال خذ هذا بمثله، وكذلك الإجارة فإن الحد صادق عليهما وليسا ببيع، ولهذا لا ينعقدان بلفظ البيع. فإن أجيب عن الإجارة بأن المال لا يطلق على المنفعة رد بلزوم كون الحد غير جامع الجواز جعل الثمن منفعة. وقد صرح في كتاب الوصية بدخول المنفعة في المال، فقال: الأموال تنقسم إلى أعيان ومنافع، وأيضا المقابلة المطلقة ليس فيها دلالة على المقصود فإنه لم يتعرض لكونها في عقد ولا أن ذلك العقد يقتضي انتقال الملك، ولهذا زاد في المجموع: تمليكا. أجيب عن القرض بأنه لا يشترط فيه مقابلة المال بالمال حالة العقد لأن صيغة المقابلة مفاعلة فلا بد منها في الجانبين، والقرض لا يشترط فيه ذلك بل يكفي الدفع وتسمية أحد العوضين خاصة حتى لو قال: أقرضتك هذا ولم يقل على أن ترد بدله صح وإن لم يذكر مقابله ، بخلاف البيع فإنه لا بد فيه من التصريح بذكر العوضين لتحقق المفاعلة. وعن الإجارة بأن المنافع ليست أموالا على الحقيقة بل على ضرب من التوسع والمجاز بدليل أنها معدومة لا قدرة عليها، ولهذا اختلف العلماء في صحة العقد عليها ، فقد منع جماعة صحة الإجارة، وأنه لو حلف شخص لا مال له وله منافع يحنث على الصحيح كما قاله الرافعي، وأنه لو أقر بمال ثم فسره بمنفعة لم يقبل كما دل عليه كلام الرافعي أيضا. وقولهم في الوصية: إن المنفعة تحسب قيمتها من الثلث معناه أنها كالمال المفوت لا أنها في نفسها مال لأنها لا وجود لها، وإنما يقدر وجودها لأجل تصحيح العقد عليها. وأيضا المحدود
(٢)