ثم شرع في الركن الثالث وهو الثمار مترجما له بفصل، فقال: فصل: فيما يشترط في عقد المساقاة: (يشترط) فيه (تخصيص الثمر بهما) أي المالك والعامل، فلا يجوز شرط بعضه لغيرهما، (واشتراكهما فيه) فلا يجوز شرط كل الثمرة لأحدهما، (والعلم) أي علمهما (بالنصيبين بالجزئية) وإن قل كجزء من ألف جزء، (كالقراض) في جميع ما سبق، ومما سبق الصحة فيما إذا قال: بيننا وفيما إذا قال: على أن لك النصف. وقول المصنف بالجزئية قد يوهم الفساد هنا، وليس مرادا. ولو ساقاه على نوع بالنصف وآخر بالثلث صح العقدان إذا عرفا قدر كل من النوعين، وإلا فلا لما فيه من الغرر، فإن المشروط فيه الأقل قد يكون أكثر، وإن ساقاه على النصف من كل منهما صح وإن جهلا قدرهما. وخرج بالثمر الجريد والكرناف والليف فلا يكون مشتركا بينهما بل يختص به المالك كما جزم به في المطلب تبعا للماوردي وغيره، قال: ولو شرط جعله بينهما على حسب ما شرطناه في الثمن فوجهان في الحاوي اه. والظاهر منهما الصحة كما نقله الزركشي عن الصيمري. ولو شرط للعامل بطل قطعا. ولا يصح كون العوض غير الثمر، فلو ساقاه بدراهم أو غيرها لم تنعقد مساقاة ولا إجارة إلا إذا فصل الأعمال وكانت معلومة. ولو ساقاه على نوع بالنصف على أن يساقيه على آخر بالثلث فسد الأول للشرط الفاسد، وأما الثاني فإن عقده جاهلا بفساد الأول فكذلك وإلا فيصح.
تنبيه: لا قلب في كلام المصنف كما قال بعض الشراح من أن حقه أن يقول: يشترط تخصيصهما بالثمر، لأن المصنف مشى هنا على الاستعمال العرفي من دخول الباء على المقصور عليه، ومشى في باب القراض حيث قال فيه: ويشترط اختصاصهما بالربح على الاستعمال اللغوي من دخول الباء على المقصور، وقد نبه على الاستعمالين بعض المحققين، فقال في قوله تعالى: * (إياك نعبد) * معناه: نخصك بالعبادة، ولو قيل نخص العبادة بك كان استعمالا عرفيا. (والأظهر صحة المساقاة بعد ظهور الثمر) لأنه أبعد عن الغرر للوثوق بالثمر فهو أولى بالجواز. والثاني: لا يصح لفوات بعض الأعمال، (لكن) محل الصحة (قبل بدو الصلاح) إذا جعل عوض العامل من الثمرة الموجودة لبقاء معظم العمل، أما بعده فلا يجوز قطعا، وكذا لو ساقاه على النخل المثمر وعلى ما يحدث من ثمر العام. ويشترط في الشجر المساقى عليه أن يكون مغروسا كما مر.
(و) على هذا (لو ساقاه على ودي) وهو بواو مفتوحة وداخل مكسورة ومثناة تحتية مشددة: صغار النخل، (ليغرسه ويكون الشجر لهما لم يجز) إذا لم ترد المساقاة على أصل ثابت، وهي رخصة فلا تتعدى موردها، ولان الغرس ليس من أعمال المساقاة، فأشبه ضم غير التجارة إلى عمل القراض.
تنبيه: ليس الشجر بقيد، فلو قال ولك نصف الثمرة لم يصح أيضا. وإذا عمل في الصورتين فله أجرة المثل على المالك إن توقعت الثمرة في المدة وإلا فلا في الأصح، وله أجرة الأرض أيضا إن كانت له. ولو كان الغراس للعامل والأرض للمالك فلا أجرة له ويلزمه أجرة الأرض. (ولو كان) الودي (مغروسا) وساقاه عليه (وشرط له جزءا من الثمر على العمل، فإن قدر) في عقد المساقاة عليه (مدة يثمر) الودي (فيها غالبا) كخمس سنين، (صح) العقد، ولا يضر كون أكثر المدة لا ثمر فيها كما لو ساقاه خمس سنين. والثمرة يغلب وجودها في الخامسة خاصة، فإن اتفق أنه لم يثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر. (وإلا) أي وإن قدر مدة لا يثمر فيها غالبا، (فلا) تصح لخلوها عن العوض كالمساقاة على شجرة لا تثمر، فإن وقع ذلك وعمل العامل لم يستحق أجرة إن علم أنها لا تثمر ف ي تلك المدة وإلا استحق ويرجع في المدة المذكورة لأهل الخبرة بالشجر في تلك الناحية كما يقتضيه كلام الدارمي.
(وقيل: إن تعارض الاحتمالان) في الأثمار وعدمه، وليس أحدهما أظهر، (صح) العقد لأن الثمر مرجو كالقراض